تتزايد أهمية مجال الذكاء الاصطناعي مع تنامي استخدامه في حياتنا اليومية، فمع تقدم قدرات خوارزميات الذكاء الاصطناعي في معالجة وتحليل النصوص والصور والفيديو والأصوات صار بإمكانها حل العديد من المشكلات الحقيقية التي نعيشها في حياتنا اليومية. ذلك أدى إلى اهتمام الطلاب ومختصي الحاسب بتعلم تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولكن دائماً يبرز لهم هذا السؤال: كيف أبدأ في مجال الذكاء الاصطناعي؟

تردني العديد من الأسئلة بهذا الخصوص، وبقدر ما أرغب في المساعدة فإن إجابة مختزلة عامة لن تكون مفيدة للجميع، ولهذا أعتذر لكل من لم أستطع أن أرد عليهم في حينها. لكل شخص خلفيته العلمية والمهارية والمهنية ورغباته في مجال العمل، وهذا يجعل من الصعب وضع توصية مناسبة للجميع. لهذا حرصت في هذا الموضوع أن أضع إطار عام لكيفية الدخول في المجال من خلال توضيح الخيارات المتاحة لأجعل لك الاختيار من خلال معرفتك بنفسك ورغباتك أن تحدد التوجه والمدخل الأنسب لك. ولم أجد أي موضوع بالعربي أو الإنجليزي يتناوله بالطريقة التي انتهجتها هنا، فآمل أن أكون قد وفقت في ذلك. وهو موجّه بشكل أساسي لمن يريد دخول المجال كمسار وظيفي رئيسي أو فرعي، ومع هذا فقد يناسب من أراد التعلم كهواية أو لجزئية محددة فقط.

ما هو مجال الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي هو أحد مجالات علوم الحاسب التي تهتم بتطوير خوارزميات تُمَكّن الحاسب من أداء مهام تحاكي التفكير البشري. ويندرج تحت الذكاء الاصطناعي عدة مجالات فرعية، مثل البحث وحل المشكلات والمنطق والتخطيط وتعلم الآلة. تجدر الإشارة إلى أنه بسبب كثرة تطبيقات مجال تعلم الآلة، فإنه كثيراً ما يُستخدم المُسمى تبادلياً مع الذكاء الاصطناعي، مع التأكيد أن الذكاء الاصطناعي أشمل.

يستخدم الذكاء الاصطناعي في كثير من التطبيقات العملية، فمثلاً بعض تطبيقات الخرائط والتصوير في الجوال والتخطيط اللوجستي في النقل وتحليل الصور الطبية أو الزراعية والمراقبة وضمان الجودة في المصانع، وغيرها الكثير.

بين سياقات الأبحاث والتطوير والبرمجة

من المهم معرفة طبيعة التعامل مع الذكاء الاصطناعي في سياقات متعددة، بسبب ضرورة أن تحدد في أيٍّ من هذه السياقات تود أن تعمل. وحتى تكون لديك فكرة واضحة عن الخيارات المتاحة فسأستعرض هنا السياقات التي يتم فيها التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وهي أساساً اثنان: الأبحاث والبرمجة، وهما مقابلان لثنائي العلم والهندسة. وقسمتهما إلى 5 مستويات تدرجاً من الأكثر تعمقاً في فهم النظريات والمفاهيم إلى الأقل:

  1. الأبحاث الأساسية: الهدف من الأبحاث الأساسية العلم لذاته ودفع عجلة التقدم في العلوم، ولا يشترط أن ترتبط بأهداف تطبيقية. عادة في الأبحاث الأساسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي يتم التركيز بشكل كبير على فهم الأساسيات والنظريات وما تستند عليه من علوم أخرى كالرياضيات والإحصاء. وتوجد غالباً في الجامعات ومراكز الأبحاث، ونادراً في بعض الشركات الكبرى.
  2. الأبحاث التطبيقية: تهدف الأبحاث التطبيقية في الذكاء الاصطناعي للخروج بحلول من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، ويتم ذلك من خلال تصميم أبحاث وتجارب بطريقة منهجية واختبار عدة فرضيات حتى الوصول إلى النتيجة المطلوبة أو معرفة تعذر ذلك. وهي تحتاج مثل الأبحاث الأساسية إلى فهم نظريات الذكاء الاصطناعي جيداً، وحسب الجهة التي تعمل بها قد تحتاج أن تمتلك حداً معيناً من المهارات البرمجية للوصول على الأقل إلى منتج أولي (prototype). وتوجد في بعض الجامعات ومراكز الأبحاث وبعض الشركات التي لديها معامل بحثية أو إدارات أبحاث وتطوير.
  3. البرمجة مع فهم خوارزميات الذكاء الاصطناعي المستخدمة: هنا انتقلنا من بيئة الأبحاث إلى تطوير البرمجيات، فالمبرمج يتعامل مع مكتبات الذكاء الاصطناعي البرمجية لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي. مثلاً عن طريق إنشاء شبكات التعلم العميق وتدريبها أو استخدام خورزميات التصنيف الشجرية وغيرها. وغالباً يكون لدى الشركات.
  4. البرمجة واستخدام نماذج جاهزة أو إعادة تدريبها: لا يحتاج المبرمج هنا أن يفهم كيف تعمل الخوارزميات بالضبط، ولكنه يستطيع أن يستخدم نماذج مسبقة التدريب مباشرة أو يعيد تدريبها على بياناته ببساطة بدون الدخول في تفاصيل النموذج، وقد يكون حتى عن طريق واجهة رسومية. وغالباً يكون لدى الشركات.
  5. البرمجة واستخدام واجهات برمجية لنماذج تعلم الآلة: هذا المستوى الأقل في التعامل مع الذكاء الاصطناعي لأن النموذج ليس لدى المبرمج ولكنه عند جهة أخرى، ويصل إلى النموذج ويتعامل معه عن طريق واجهة تطبيقات برمجية (API) فقط. كثير من مقدمي الخدمات السحابية لديهم واجهات تطبيقات برمجية لنماذج متعددة للذكاء الاصطناعي للتعامل مع النصوص والصور والفيديو والأصوات. وغالباً يكون لدى الشركات.

تجدر ملاحظة أنه بالرغم من أن المستويات الأخيرة لا تحتاج إلى تعمق كبير في فهم النظريات والمفاهيم، إلّأ أنها مفيدة لفهم كيفية عمل الخوارزميات المستخدمة وحدود قدراتها والحالات المناسبة لاستخدامها.

وظائف الذكاء الاصطناعي

لا يوجد تعريف وتحديد متفق عليه للوظائف التي تتضمن الذكاء الاصطناعي ومسمياتها ومهامها. وحتى لو تشابهت المسميات فقد يختلف التعريف والمهام من جهة إلى أخرى. لهذا من المهم أن لا تكتفي بمعرفة المسمى الوظيفي إذا عرضت عليك وظيفة، ولكن قراءة الوصف الوظيفي الذي يُفترض أن يحددها طبيعتها بدقة. سأستعرض هنا وظائف الذكاء الاصطناعي الأكثر شيوعاً، وستجد من بينها أحد وظائف البيانات للتقاطع بينهما، وسأحاول قدر الإمكان أن يكون الوصف عاماً. العموم قد يُفقد بعض الوضوح، لكنه مهم للمحافظة على الفكرة والمهام الأساسية لكل وظيفة.

  • باحث ذكاء اصطناعي (AI Researcher) أو عالم أبحاث (Research Scientist): وغالباً تكون المهام إجراء أبحاث أساسية وتطبيقية.
  • مهندس ذكاء اصطناعي (AI Engineer): تكون المهام متعلقة بنشر (deploy) نماذج الذكاء الاصطناعي ومراقبة أداءها وتحديثها وإعادة تدريبها، وقد يكون ذلك خلال منصات بيانات ضخمة أو خدمات سحابية.
  • مهندس بيانات (Data Engineer): من مهام مهندس البيانات إعداد البنية التحتية للبيانات والعمل على تقنيات تخزين ونقل وتحويل البيانات خاصة في منصات البيانات الضخمة، وقد يكون هناك بعض التقاطع مع عمل مهندس الذكاء الاصطناعي.
  • عالم بيانات (Data Scientist): تتعدد تعريفات علم البيانات وبالتالي مهام عالم البيانات، ولكن بشكل عام تدور حول حل مشاكل المنظمة باستخدام البيانات والذكاء الاصطناعي. يجب أن يكون لدى عالم البيانات خبرة بمجال العمل ومهارة لفهم المشكلة والبحث عن حل لها، وقد يتاقطع في بعض المهام مع باحث الذكاء الاصطناعي إن كان العمل على بحث تطبيقي.
  • مطور ذكاء اصطناعي (AI Developer): المهمة الأساسية تطوير تطبيقات قائمة على الذكاء الاصطناعي.
  • خبير ذكاء اصناعي (AI Expert): المسمى عام ويحتمل عدة مهام أو كلها حسب حاجة الجهة، فقد يكون مستشاراً أو أي من مهام الوظائف السابقة أو خليطاً منها. وغالباً تكون الوظيفة لشخص لديه خبرة كبيرة في المجال.

قد لا تأتي هذه الأسماء كما هي، فمثلاً قد تُستبدل كلمة ذكاء اصطناعي (AI أو Artificial Intelligence) في بعض المسميات إلى أي من: تعلم آلة (Machine Learning) أو رؤية حاسب (Computer Vision) أو معالجة لغات طبيعية (Natural Language Processing – NLP) أو تعلم عميق (Deep Learning)) أو غيرها. أو قد تكون مسميات مختلفة تماماً ولكن طبيعة العمل تشابه المذكورة أعلاه، والمرجع هو الوصف الوظيفي.

العلوم والمهارات الأساسية

في المسار المهني تحتاج لثلاثة أمور: العلم والمهارة والخبرة.

فالعلم يتعلق بالمفاهيم الأساسية والنظريات حول الموضوع لفهمه جيداً، وغالباً يُكتسب بالتعلم الأكاديمي وقراءة الكتب والأبحاث.

والمهارة تُعنى بإمكانية التطبيق عملياً، من الأمثلة على ذلك إتقان لغات البرمجة وتنفيذ الخوارزميات برمجياً.

والخبرة تُكتسب مع الوقت من خلال الممارسة العملية والنجاح والإخفاق.

فيما يلي سأوضح العلوم والمهارات الأساسية لوظائف الذكاء الاصطناعي المذكورة أعلاه، ويجدر التنبيه أنها عامة لأن كل جهة لها متطلباتها الخاصة التي قد تزيد أو تنقص عن المذكورة، والهدف هنا أخذ تصور عن أكثرها طلباً. لكي تعرف المتطلبات الوظيفية بالضبط لكل جهة ينبغي أن تقرأ الوصف الوظيفي الذي يحدد العلوم والمهارات والخبرات المطلوبة. كما أنه لا يجب أن تكون لدى الشخص كل هذه العلوم والمهارات لكي يكون مؤهلاً.

باحث ذكاء اصطناعي (AI Researcher) أو عالم أبحاث (Research Scientist)

العلومالمهارات
الخوارزميات وهياكل البياناتالبرمجة
الذكاء الاصطناعي بتعمقالمكتبات وأطر العمل البرمجية للذكاء الاصطناعي
الجبر الخطيتصميم التجارب البحثية
التفاضل والتكامل (بعض المفاهيم)إعداد النماذج الأولية
الإحصاء والاحتمالاتكتابة التقارير العلمية والأوراق البحثية
القدرة على عرض المشكلة والحلول والنتائج
قد يكون هناك طلب على فرع معين كرؤية الحاسب أو معالجة اللغات الطبيعية (حسب الحاجة)

مهندس ذكاء اصطناعي (AI Engineer)

العلومالمهارات
الخوارزميات وهياكل البياناتالبرمجة
قواعد البياناتالتعامل مع قواعد البيانات
الذكاء الاصطناعيالتعامل مع منصات البيانات الضخمة
الحوسبة الموزعةالتعامل مع الخدمات السحابية
DevOps
MLOps

مهندس بيانات (Data Engineer)

العلومالمهارات
الخوارزميات وهياكل البياناتالبرمجة
قواعد البياناتالتعامل مع قواعد البيانات
معماريات البياناتالتعامل مع منصات البيانات الضخمة
الحوسبة الموزعةالتعامل مع الخدمات السحابية
نمذجة البيانات (قواعد البيانات)
تحويل ودمج البيانات
إدارة البيانات
DevOps

عالم بيانات (Data Scientist)

العلومالمهارات
الخوارزميات وهياكل البياناتالبرمجة
الذكاء الاصطناعيالتعامل مع البيانات برمجياً
الجبر الخطيفهم حاجة العمل والمستخدم وتلبيتها
الإحصاء والاحتمالاتتصوير البيانات (Data Visualization)
قد يحتاج لخبرة في مجال معين (مثلاً طبي أو صناعي أو زراعي)إعداد النماذج الأولية وإثبات الفكرة
القدرة على عرض المشكلة والحلول والنتائج

مطور ذكاء اصطناعي (AI Developer)

العلومالمهارات
الخوارزمياتالبرمجة
هياكل البياناتالتعامل مع البيانات برمجياً
أساسيات الذكاء الاصطناعيالتعامل مع قواعد البيانات
قواعد البياناتتصميم وتطوير البرمجيات
معماريات البرمجياتDevOps
هندسة البرمجيات

خبير ذكاء اصناعي (AI Expert)

لأن المسمى عام جداً كما ذكرت سابقاً فالمعارف والمهارات تكون بعض مما سبق حسب طبيعة العمل وحاجة الجهة.

ملاحظة: البرمجة هنا غالباً بلغة بايثون لأنها الأكثر انتشاراً بين باحثي وممارسي الذكاء الاصطناعي، ولكن قد يكون غيرها حسب حاجة الجهة.

جميع المهارات المذكورة أعلاه مهارات تقنية، وهي التي سوف أقترح مصادر لتعلمها. وتوجد العديد من المهارات غير التقنية المهمة التي ينبغي التفكير بها، مثل: التفكير التحليلي والإبداع والتواصل الفعّال والعمل ضمن فريق وإدارة الوقت، وغيرها من المهارات الشخصية.

الوسائل والمصادر

بعد أن تعرفنا على بعض العلوم والمهارات المهمة بقي طريقة تحصيلها. سأستعرض هنا بعض الوسائل والمصادر التي يمكن من خلالها تحصيل العلوم والمهارات المتعلقة بالوظيفة التي تستهدفها. وأكرر أن الحديث هنا عام لاستحالة تغطية جميع المواضيع، والهدف الإشارة إلى المصادر التي يمكنك أن تستقي منها ما تريد حسب حاجتك وأهدافك التي رسمتها لنفسك، وقد أكتب لاحقاً إن شاء الله موضوع أكثر تفصيلاً في هذا الصدد. وقد قسمتها إلى قسمين: مصادر العلوم ومصادر المهارات.

مصادر العلوم

  • الدراسة الأكاديمية في الجامعات والكليات والمعاهد. وذلك من خلال برامج البكالريوس أو الماجستير أو الدكتوراه المتخصصة جزئياً أو كلياً في الذكاء الاصطناعي. وغالباً ما تكون أحد تخصصات الحاسب كعلوم الحاسب في البكالريوس واختيار مواد الذكاء الاصطناعي في المواد الاختيارية. الماجستير والدكتوراه أكثر تخصصاً فيكون التركيز أكثر على الذكاء الاصطناعي إما من خلال الرسالة أو المواد أو كلاهما.
  • قراءة الكتب المتخصصة. قراءة الكتب من أهم مصادر تلقي العلوم، ومهما وجدت من مقاطع فيديو تشرح مفاهيم المجال فلن تغطي التفاصيل التي تشملها الكتب. وتوجد العديد من الكتب التي تغطي المجال عموماً أو بعض المجالات الفرعية، ولعل أشهرها هو كتاب: Artificial Intelligence: A Modern Approach الذي يعد مدخلاً ممتازاً لأهم مجالات الذكاء الاصطناعي.
  • قراءة الأبحاث المتعلقة في المجال. بينما تغطي الكتب الأساسيات والمفاهيم المهمة، تتناول الأبحاث التي تنشر دورياً آخر المستجدات والتطورات في المجال. وتوجد العديد من المؤتمرات والمجلات العلمية التي تغطي مجالات متنوعة، من أشهر المؤتمرات NeurIPS وICML وCVPR. ومؤخراً صار ينشر تسجيل لبعض المؤتمرات على الإنترنت ونشر أبحاثها مجاناً لمشاهدتها وقراءتها لمن لم يتمكن من حضورها.
  • حضور أو مشاهدة المواد والدورات التي تشرح المفاهيم والنظريات، حضورياً أو عن بعد. وقد تركز على أساسيات الذكاء الاصطناعي أو مجالاته الفرعية أو علوم متعلقة به. وتوجد عدة مصادر لهذه المواد، مثل موقع Coursera وUdacity ورواق. كما تنشر بعض الجامعات موادها مفتوحة للجميع.

مصادر المهارات

  • الدورات الحضورية أو عن بعد وورش العمل التدريبية. وتختلف عن المواد والدورات أعلاه بأنها تركز على الجانب العملي والمهاري كالبرمجة والتعامل مع المكتبات البرمجية المتخصصة وحل مشاكل واقعية. من الأمثلة على المواقع التي تقدم هذه الدورات عن بعد Udemy. ومن الأمثلة على الحضورية في السعودية البرامج والدورات المقدمة من جهات مثل الأكاديمية السعودية الرقمية ومعسكر طويق وأكاديمية سدايا.
  • بعض المواقع المتخصصة بتعليم بعض المهارات كلغات البرمجة أو تحليل البيانات وتطوير تطبيقات الذكاء الاطناعي. وتركز هذه المواقع على التدريب العملي من خلال شرح المهارة ثم التطبيق مباشرة من خلال أمثلة تفاعلية وتصحيح آلي للمهام البرمجية. من الأمثلة: Codecademy وDatacamp.
  • بعض المواقع المتخصصة بتقديم أسئلة برمجية والتدريب على المقابلات الشخصية التي تتضمن اختبارات برمجية، مثل HackerRank وLeetCode.
  • التطبيق العملي من خلال الأمثلة التدريبية أو محاولة حل مشكلات حقيقية. وتكون الأمثلة التدريبية من خلال أحد المصادر أعلاه، بينما تكون المشكلات الحقيقية من الشخص نفسه محاولة لحل مشكلة تواجهه، أو من خلال المشاركة مع أشخاص آخرين أو من خلال التطوع أو المشاركة في تطوير مشاريع مفتوحة المصدر، وغيرها.

الشهادات

يتفاوت نوع الشهادات وأهميتها حسب طبيعة العمل والمهام المتوقعة.

الشهادات الأكاديمية

في الغالب يُتطلب من باحث الذكاء الاصطناعي أن يكون حاصلاً على شهادة الماجستير أو الدكتوراه، وكذلك لعالم البيانات وقد يكون بشكل أقل ضرورة حسب خبرة الشخص. وقد يكون نشر الأبحاث العلمية للباحث مكافئاً للحصول على شهادة احترافية للمهندس لأنه دليل على قدرة الباحث على تحديد المشكلة وحلها وإيصال الفكرة لغيره من الباحثين. بينما يُكتفى عادة للمهندسين والمبرمجين بالبكالريوس أو الدبلوم، وأحياناً الماجستير. ويتم عادة تحديد المتطلبات الأكاديمية في الوصف الوظيفي.

الشهادات الاحترافية

في الوظائف الهندسية والبرمجية يُتطلب أن يكون لدى الشخص مهاراة معينة. قد يساعد الحصول على بعض الشهادات الاحترافية تمييزه عن غيره، ويعتمد ذلك على سمعة الشهادة وحاجة الجهة للتقنية التي تغطيها الشهادة، أو طلب الجهة الحصول على الشهادة. مع العلم أن الشهادات الاحترافية قد تعطي ميزة إلا أنها ليست العامل الأول في اختيار المرشحين. فالخبرة مثلاً من خلال العمل على مشاريع حقيقية أهم بكثير منها.

لا يمكن حصر جميع الشهادات الاحترافية، ولكن هذه بعض الملاحظات المتعلقة بها أثناء بحثك عن الشهادة المناسبة لك:

  • في الغالب تتعلق الشهادة الاحترافية بتقنية تتبع لشركة أو منظمة معينة، فإذا كان مسارك المهني متعلقاً بهذه التقنية فقد يكون مناسب أن تفكر في الحصول على شهادة منها إذا كانت سمعتها جيدة.
  • برأيي لا توجد شهادة احترافية عامة للذكاء الاصطناعي أو تعلم الآلة يُعتد بها، أي تكون عن التقنيات بدون تعلق بمنتجات محددة. توجد بعض الشهادات ولكن ليس لها قوة كما يزعم مقدموها.
  • إذا كنت مهتماً بهندسة البيانات والذكاء الاصطناعي، توجد شهادات من مقدمي الخدمات السحابية، مثل مايكروسوفت وجووجل وأمازون وغيرها من الشركات.
  • أحد الطرق لمعرفة الشهادات المهمة (غير سؤال المختص) أن تبحث في موقع الشركة صاحبة أو راعية التقنية التي تود أن تأخذ الشهادة لها وتبحث عن الدورات والشهادات التي توفرها.

بخصوص شهادات الدورات: شهادات حضور الدورات ليس لها أي قيمة، الشهادات الاحترافية تكون عن طريق اختبارات متعمقة، لكن مجرد حضور دورة لا يدل على امتلاكك للمهارات التي تؤهلك للحصول على الشهادة. والأسوأ من ذلك شهادات حضور المحاضرات والمؤتمرات، فليس لها أي قيمة تتجاوز الورقة التي طبعت عليها.

العمل والخبرة

ذكرت أنك في المسار المهني تحتاج لثلاثة أمور: العلم والمهارة والخبرة. في ما سبق غطيت جانبي العلم والمهارة. أما الخبرة فتكتسب من خلال العمل والتجربة ومخالطة المجربين والخبراء والتعلم منهم، وذلك يحتاج إلى وقت. ومع أنه لا يوجد مسار محدد لاكتساب الخبرة إلا أن هذه بعض النصائح التي قد تساعدك على ذلك:

  • العمل لدى جهة في المجال الذي تود اكتساب الخبرة فيه (بالتأكيد!)، ومعيار الاختيار غالباً أن يكون المجال مناسباً لمسارك المهني وأن تختار المدير الذي ستسفيد منه. وغالباً لا تستطيع أن تتحكم تماماً في هذه الأمور، ولكن مفيد أن تضعها في الاعتبار عند الاختيار من بين عدة خيارات.
  • التطوع والمشاركة مع المنظمات غير الربحية، وذلك بزيارة هذه المنظمات وسؤالهم عن مشاكلهم وإذا كانوا يحتاجون لمساعدة في الجوانب التي لديك معرفة ومهارة بها.
  • المشاركة في تطوير بعض المشاريع مفتوحة المصدر.
  • تحديد بعض المشاكل التي تواجهها ومحاولة حلها برمجياً من خلال الذكاء الاصطناعي، وقد تنشر البرنامج إذا كان مفيداً للجميع، أو قد يكون نواة لشركة ناشئة.
  • المشاركة في الهاكاثونات والمسابقات البرمجية، وبالرغم من أنها قصيرة إلا أنها مفيدة في مهارات التواصل والعمل ضمن فريق والتعرف على المختصين والمشاركين لك في مجالات الاهتمام، وهي تجربة ممتعة.
  • المشاركة في تحديات الذكاء الاصطناعي على الإنترنت، وتوجد عدة مواقع أشهرها كاجل تطرح مسابقات برمجية لمشاكل محددة وبعضها تكون برعاية بعض الجهات ويكون عليها جوائز. كما أن موقع كاجل يحتوى على الآلاف من مجموعات البيانات التي يمكنك أن تجرب العمل عليها.

لا يوجد حد لوسائل اكتساب الخبرة. وخلافاً لما يتصوره البعض، اكتساب الخبرة يقع على عاتقك ولن يفيد جلوس الشخص وإلقاؤه اللوم على الجهات بسبب عدم توظيفها له لعدم امتلاكه الخبرة المطلوبة منهم!

إعداد خطة عملية لدخول مجال الذكاء الاصطناعي

قد تكون لاحظت أن ما طرح إلى الآن عام، فلم أضع برنامج معين يتكون من خطوات محددة، بل أعتقد أن الأنسب أن تضع خطتك بنفسك. قد تجد ذلك مزعجاً، لأن العديد من الأمور ستكون غير واضحة أثناء إعداد الخطة، لكن أعتقد أن عملية إعداد الخطة نفسها تتضمن الكثير من التعلم عن المجال. لكي تختار الأنسب من بين عدة مواد تعليمية مثلاً تحتاج أن تقرأ الوصف وجدول المواضيع ثم تختار الأنسب لك بناء على ما تعرف من النقص لديك، وخلال ذلك تكون قد عرفت عن مواضيع لم تمر عليك من قبل وتعرف أين تجدها عندما تحتاجها. ولأن عملية التعلم مستمرة بلا توقف فيجب أن تعرف كيف تختار مصادر ومواد التعلم بنفسك، وهي مهارة لا تقدر بثمن هذه الأيام.

المخطط التالي يوضح آلية وضع خطتك الشخصية لدخول مجال الذكاء الاصطناعي، وقد شرحت كل خطوة في ما سبق.

خطوات إعداد خطة عملية لدخول مجال الذكاء الاصطناعي

الخطوة الأولى: اختيار السياق الذي يناسبك وطبيعة العمل التي ترغبها.

الخطوة الثانية: اختيار وظيفة أو عدة وظائف تعتقد أنها مناسبة لك وترغب في العمل بها.

الخطوة الثالثة: حصر العلوم والمهارات التي تحتاجها لتمتاز في الوظائف المختارة.

الخطوة الرابعة: تحديد مصادر التعلم والتدريب لكل من العلوم والمهارات المطلوبة.

الخطوة الخامسة: خطة للتطبيق العملي واكتساب الخبرة.

الأفضل عند إعداد الخطة أن تكون في نطاق زمني واضح، وإذا كان هناك تكاليف أن تُحصر الميزانية المطلوبة.

ينبغي أن تكون الخطة مرنة وقابلة للتعديل (مثلاً ربع أو نصف سنوياً) لأنك ستكتشف نفسك وما ترتاح إليه أثناء التعلم، فقد تغير رأيك في المسار وتعدله حسب ما رأيت. أو قد يحدث أن تلتحق بوظيفة أو أن تعمل في مشروع يحتاج لعلوم ومهارات معينة، مثل مجالات رؤية الحاسب أو معالجة اللغات الطبيعية، فتحتاج أن تعدل الخطة لتشمل العلوم والمهارات المطلوبة خلال الفترة المقبلة.


ختاماً، التعلم المستمر أساسي ولا غنى عند لمبتدئ أو خبير.

أسأل الله لك التوفيق في رحلتك.