القراءة هي السبيل الأساسي للمعرفة، هذه قناعتي التي لم تتغير بالرغم من كثرة وسائل وقنوات التلقي الحديثة.

“كيف تقرأ كتاباً” من تأليف مورتيمر أدلر وتشارلز فان دورين من الكتب القديمة، حيث تم كتابة الطبعة الأولى عام 1940م. وبالرغم من قدمه، فلا يزال محتواه مهماً ومناسباً حتى الآن. هذا الكتاب مختلف عما اعتدنا عليه في الكثير من كتب تطوير الذات السطحية، وفيه شيء من العمق في معالجة الموضوع.

هدف الكتاب الأساسي شرح كيف تقرأ كتاباً لغرض الفهم، وليس المعلومات. ويسمي هذا النوع من القراءة بـ “القراءة النشطة” (active reading). وإجابة عما يعتقده الناس بأن عملية القراءة ليست نشطة مقارنة بعمليات أخرى كالكتابة يشبّه الكاتب القارئ بمستقبل البيسبول – وسأحوره إلى حارس المرمى لعدم معرفة الكثيرين منا بلعبة البيسبول. الكتاب تمت كتابته من كاتب وهو بمثابة المُرسل ويتم قراءته من القاريء الذي هو بمثابة المتلقي، الكاتب هنا مثل الهداف الذي يسعى لتسديد الكرة في المرمى (إيصال الرسالة إلى القارئ)، والقارئ كالحارس الذي يسعى للإمساك بها. يتضح أن سعي القارئ لفهم رسالة الكاتب تعتبر مهمة نشطة تحتاج إلى الكثير من التركيز والنشاط. الهدف من هذا الكتاب إعطاء بعض القواعد والنصائح التي تساعد على القراءة بشكل فعال من أجل الفهم.

والقراءة من أجل المعلومات تختلف عن القراءة من أجل الفهم. فالشخص قد يقرأ بعض المعلومات فتزيد من كمية الحقائق التي يعرفها، ولكن لم يزد فهمه عن المعلومات في الموضوع. فمثلاً قد نقرأ عن زيادة أسعار ومقارنتها مع السنين السابقة، هذه عبارة عن حقائق، وتختلف عن قرائتها مثلاً لمواضيع في الاقتصاد والسياسة وفهمهما بشكل معمق. فالقراءة من أجل الفهم ترفع من مستوى العقل والفهم، بحيث لن تعرف المعلومة فقط، ولكن ماذا يقصد الكاتب بها ولماذا ذكرها.

هناك شرطين أساسيين للقراءة من أجل الفهم:
الأول: أن يكون مستوى الكاتب أعلى من مستوى القارئ (عدم التكافؤ بين الكاتب والقارئ).
الثاني: أن تكون لدى القارئ المقدرة على تجاوز انعدام التكافؤ هذا، لو بدرجة معينة.

ملاحظة: تم إعادة ترتيب بعض أجزاء الكتاب للتلخيص ليكون أسهل في القراءة وأكثر وضوحاً في تسلسل الأفكار.


مستويات القراءة

هناك أربع مستويات للقراءة:
المستوى الأول: القراءة الابتدائية (elementary reading)
في هذا المستوى يتعلم الشخص أساسيات القراءة. ويكون السؤال الأساسي “ماذا تعني هذه الفقرة؟” وذلك في أبسط المعاني.

المستوى الثاني: القراءة التفتيشية (inspectional reading)
الهدف الأساسي في هذا المستوى الخروج بأكبر قدر من كتاب خلال فترة زمنية محددة، غالباً تكون قصيرة، مثلاً 15 دقيقة. الأسئلة الأساسية في هذا المستوى: “عن ماذا يتكلم الكتاب؟” و “ما هو الهيكل الأساسي للكتاب؟” و “ما هي أقسام الكتاب؟”.

المستوى الثالث: القراءة التحليلية (analytical reading)
هذا المستوى أكثر تعقيداً ونظامية من المستويين السابقين. الهدف الأساسي فهم الكتاب بشكل كامل، والفرق عن المستوى السابق أن لديك وقت لا نهائي حتى تنتهي من الكتاب. حين تقرأ قراءة تحليلية فأنت تهدف إلى زيادة مستوى فهمك، لذلك هي تختلف بشكل كبير عن القراءة فقط لأجل المعلومات أو التسلية. المهمة هنا مكثفة وقد تكون شاقة، ولكن النتائج تستحق هذا الجهد.

المستوى الرابع: القراءة التركيبية (syntopical reading)
وهي الأكثر تعقيداً ونظامية من المستويات الأربعة، وتحتاج لجهد مضاعف. اسم آخر لهذا المستوى “القراءة المقارنة”. في القراءة التركيبية تقرأ عدة كتب وتضعها في السياق المناسب حول الموضوع الأساسي الذي تبحث عنه. ومن التحليل الذي تعمله على عدة كتب قد تخرج بتحليل خاص بك ليس موجوداً في أي منها.


المستوى الأول: القراءة الابتدائية (elementary reading)

تحدث الكاتبان في البداية عن المناهج المختلفة لطرق تدريس القراءة، على سبيل المثال الأسلوب الحرفي ABC والأسلوب الصوتي phonic والأسلوب المرئي visual والعديد من الأبحاث المختلفة عن طرق تدريس جديدة.
في هذه المرحلة يتم الربط بين المعاني والرموز (الكتابة هنا)، وهي من أهم النقلات المعرفية في حياة الطفل الدارس. أيضاً يتم في هذا المستوى بناء مخزون الكلمات لدى الطالب. ينبغي أن يصل الشخص في بدايات سن المراهقة إلى نضج جيد في المستوى الأول، ويواصل التحسن فيه بقية حياته.


المستوى الثاني: القراءة التفتيشية (inspectional reading)

هناك نوعين من القراءة التفتيشية، بالرغم من أنه يمكن اعتبارهما نوعاً واحداً من وجهين مختلفين. ولكن يجدر تقسيمهما لفهمهما:

النوع الأول: المسح المنتظم والقراءة المسبقة

إذا كان أمامك كتاب وتود أن تعرف إن كان ينبغي عليك قراءته وليس لديك الكثير من الوقت، ماذا تفعل؟ الهدف هنا أن تعرف إن كان هذا الكتاب يستحق المزيد من القراءة المتأنية. المسح السريع سيجيب على الكثير من الأسئلة عن الكتاب، ومن المفترض أن لا يأخذ منك وقتاً طويلاً. هذه بعض الاقتراحات عن كيف يمكن أن تمارسها:

  • اقرأ صفحة العنوان والمقدمة، من هذه الخطوة المفترض أن تكون لديك فكرة عن الموضوع والهدف الأساسي من الكتاب.
  • اطلع على جدول المحتويات لتأخذ تصور عام عن هيكل الكتاب وتوزيع الفصول.
  • اطلع على الفهرس إذا كان الكتاب يحتويه، فهو يعطيك نظرة عن المصطلحات والأسماء والأعلام الأساسية.
  • بعض الكتب تحتوي على دعاية الناشر على الغلاف (عادة الخلفي)، وهي تعطي فكرة عامة عن الموضوع الأساسي للكتاب.
  • اختر الفصول التي تدعم الموضوع الأساسي للكتاب، إذا كان فيها ملخص بداية أو نهاية الفصل اقرأه.
  • أخيراً، قلب الصفحات بشكل سريع وتوقف بشكل عشوائي لقراءة أجزاء متفرقة، قد تكون فقرات أو صفحات، ولا تنسى مسح الأجزاء الأخيرة من الكتاب.
    بعد أن تفعل هذا ستستطيع أن تفهرس الكتاب ذهنياً بحيث تعرف متى ترجع إليه عند الحاجة.

النوع الثاني: القراءة السطحية (superficial)

  • يشير الكاتبان أنهما اختارا هذه الكلمة عمداً بالرغم من تعارضها الظاهر من الهدف لدقة معناها هنا.
  • الهدف هنا أن تقرأ الكتاب بسرعة بدون أي توقف عند عدم فهم أجزاء معينة لتفكر فيها.
  • ما تفهمه من القراءة السريعة للكتاب، حتى لو كان فهمك 50% أو أقل، سيساعدك لاحقاً في المستويات المتقدمة للقراءة.
  • الفكرة أنه عند توقفك لفهم المسائل والمواضيع الدقيقة أو الكلمات المبهمة ستضيع عليك الصورة الكاملة. “ستفقد الغابة بسبب تركيزك على الأشجار”.

عن القراءة السريعة

كان للكاتبان عدة إشارات عن القراءة السريعة.

  • لا توجد سرعة واحدة تعد الأفضل، ولكن المناسب أن تكون لديك القدرة أن تقرأ بسرعات مختلفة حسب السياقات المناسبة.
  • حركة العين أثناء القراءة من الأمور المهمة لتحسين السرعة والجودة، وتوجد العديد من الطرق لتحسينها من أبسطها تحريك أصبع أو قلم على السطور أثناء القراءة.
  • ووضح الكاتبان أهمية الفهم أثناء القراءة السريعة، وأن تركيز دورات القراءة السريعة على السرعة فقط دون الفهم (أتفق تماماً).

جوهر القراءة النشطة: الأسئلة الأساسية للقراءة

الجوهر الأساسي للقراءة النشطة أن تسأل أثناء القراءة أسئلة يجب أن تحاول الإجابة عليها أثناء قراءتك.
هناك أربعة أسئلة أساسية ينبغي أن تسألها لأي كتاب:

  • ما هو الموضوع الأساسي للكتاب ككل؟
  • ماذا تم طرحه بالتفاصيل، ولماذا؟ محاولة فهم الأفكار الأساسية والحجج التي تكون الرسالة الأساسية للمؤلف.
  • هل الكتاب صحيح؟ بمجمله أو ببعض أجزاءه؟
  • ماذا بعد؟ فكر بأهمية ما قرأته، لماذا يعتقد الكاتب أهمية ما كتب لك، وماذا تفعل بناء عليه؟

القراءة التفتيشية تساعد بشكل أساسي في الإجابة على السؤالين الأولين، بينما القراءة التحليلية مهمتها الإجابة على البقية.

لا يكفي معرفة هذه الأسئلة، وإنما تذكر أن تسألها أثناء القراءة.


المستوى الثالث: القراءة التحليلية (analytical reading)

تصنيف الكتاب

القاعدة الأولى: يجب عليك معرفة نوع الكتاب الذي تقرأه، ويكون ذلك أبكر ما تستطيع ويفضل قبل أن تشرع في القراءة. يكون ذلك غالباً أثناء القراءة التفتيشية.
بإمكاننا تصنيف الكتب إلى نوعين أساسيين: الكتب العملية والنظرية. الكتب العملية تعلمك كيف تعمل شيئاً ما أو تفكر بطريقة معينة، بينما الكتب النظرية تهتم بفهم الأمور كما هي عليه.
التقسيم التقليدي للكتب النظرية: التاريخ والعلوم والفلسفة. جوهر التاريخ السرد، والعلوم تبحث عن قوانين (laws) أو تعميمات (generalizations). إذا كان الكتاب النظري يركز على أمور تقع خارج دائرة خبراتك في الحياة اليومية الروتينية فهو عمل علمي. إذا لم يكن، فهو فلسفي.
أحد التفريقات بين العلم والفلسفة هي أن العلم تجريبي أو يعتمد على أبحاث وملاحظات دقيقة، بينما الفلسفة عبارة عن مجرد تفكير على الأريكة. مع الأخذ في الاعتبار أخذ كل منهما بعض خصائص الآخر أحياناً.

هل هناك فائدة من التشديد على أهمية تصنيف الكتب قبل قراءتها؟
تختلف طريقة معالجة كل كتاب وإيصاله للمعلومات حسب طبيعة المجال الذي تناوله، لهذا ينبغي أن نستعد حين قراءة كل كتاب بمعرفة الطريقة المناسبة للمجال والتهيؤ لها.

اكتشاف هيكل كتاب

كل كتاب جدير بالقراءة يحتوي على وحدة للموضوع وأجزاء منتظمة.

القاعدة الثانية: أذكر وحدة الموضوع للكتاب كاملاً في جملة واحدة أو عدة جمل على الأكثر (فقرة قصيرة).

فهم وحدة الموضوع تساعد على هم الموضوع الأساسي للكتاب.

القاعدة الثالثة: استعرض الأجزاء الأساسية للكتاب ووضح كيف تنتظم في وحدة موضوعية واحدة.
قد يختلف هيكل الكتاب في جدول المحتويات عن الهيكل الحقيقي للأفكار في ثنايا الكتاب.

لماذا يجب أن نكتشف الهيكل الحقيقي؟
لنتمكن من ذكر وحدة الكتاب الموضوعية نحتاج للقاعدة الثالثة، معرفة الأجزاء التي تكون هذه الوحدة.

القاعدة الرابعة عبارة عن تكرار للقوانين السابقة ولكن تأتي من زاوية مختلفة، لهذا تم ذكرها:
القاعدة الرابعة: اكتشف المشكلة التي تناولها الكاتب.
حتى لو لم يذكر الكاتب السؤال الأساسي والأسئلة الفرعية صراحة، فمن مهمتك أيها القارئ أن تكتشف السؤال الأساسي والأسئلة الفرعية إن كان السؤال معقداً.

المرحلة الأولى من القراءة التحليلية

تشكل هذه القواعد الأربعة المرحلة الأولى من القراءة التحليلية، وهي تزود القارئ الذي يطبقها بمعرفة هيكل الكتاب.
تجدر الإشارة إلى أن القارئ المتمكن يطبق هذه القواعد الأربعة بنفس الوقت وليس تسلسلياً.

التوافق مع المؤلف

لتواصل فعال، نحتاج أن يكون لكل من طرفي الحوار (الكاتب والقارئ) استعمال وفهم مشترك للكلمات والمصطلحات ليكونوا على توافق.

القاعدة الخامسة: أعثر على الكلمات والمصطلحات المهمة، ومن خلالها توصل إلى توافق في الفهم مع الكاتب.

  • قد تكون اللغة عائق للتواصل حيث أنها وسيط لا يخلو من العيوب، فقد تحمل الكلمة الواحدة عدة معاني، وبالإمكان أيضاً التعبير عن معنى واحد من خلال عدة كلمات.
  • مهما كانت مهارة الكاتب، لا يمكنه أن يتواصل بطريقة جيدة مع القارئ الذي لا يمتلك المهارات المطلوبة.
  • يمكن تقسيم هذه القاعدة إلى قسمين: قسم يهتم بالجانب النحوي وآخر بالجانب المنطقي. الجانب النحوي يتعامل مع الكلمات، بينما المنطقي يتعامل مع معانيها.

كيف يمكن أن تعثر على الكلمات المهمة؟
من وجهة نظرك كقارئ، الكلمات المهمة هي التي تسبب لك صعوبة.

  • بعض الكلمات يعطيها الكاتب أهمية بشكل صريح وواضح.
  • إذا كنت تقرأ في مجال، فبإمكانك معرفة الكلمات المهمة بشكل إيجابي إذا كنت مختصاً فيه وتعرف مصطلحاته، أو بشكل سلبي إذا كانت الكلمات المصطلحية غير معتادة.
  • من المشاكل لدى معظم القراء عدم انتباههم للكلمات المهمة غير الواضحة ولا يقفون عندها لمحاولة فهمها أو حتى تعليمها (الإشارة عليها)، مما قد يسبب لهم صعوبات كبيرة عند المضي قدماً في القراءة.

البحث عن المعنى

كيف يمكن للشخص أن يعرف معنى الكلمة؟

  • عن طريق الاستعانة بمعاني الكلمات التي حول الكلمة المعنية. بعبارة أخرى حسب السياق، والسياق هو الكلمات التي حول الكلمة المراد تفسيرها.
  • هذه هي الطريقة المعتادة في عملية الحصول على المعاني، حيث تبدأ من المعاني التي تمتلكها.
  • إذا فكرت ستعرف أن هذه الخطوة فقط التي قد تعد بسيطة، معرفة معاني الكلمات المهمة، قد تساعد بشكل كبير في فهم الكتاب. تغيير عادة صغيرة مثل هذه أثناء القراءة لها أثر كبير.

تحديد رسالة المؤلف

بينما تهتم القاعدة الخامسة في القراءة التحليلية بالكلمات ومعانيها المصطلحية، تهتم القاعدة السادسة بالجمل والفرضيات (propositions)، والسابعة بالحجة (argument). ولا بد قبل عرضهما من مقدمات.

  • الحجة دائماً عبارة عن مجموعة من الجمل، بعضها تقدم الأرضية أو الأسباب لما سيتم استنتاجه.
  • إذا كانت الحجة صالحة (valid)، فإن الاستنتاج يتبع المقدمة (premises). هذا لا يعني بالضرورة أن يكون الاستنتاج صحيحاً، حيث أن واحدة أو أكثر من المقدمات التي تدعمها قد تكون خاطئة.

الحركة في هذه المرحلة من القراءة التحليلية تبدأ من الكلمات وتمر بالجمل ثم الفقرات، حيث نبني من الأبسط إلى الأعقد. وهذا عكس المرحلة الأولى التي تبدأ من الكل (الكتاب) ثم أجزاؤه نزولاً. تلتقي هاتين العمليتين -التخطيط والتفسير- في الوسط، فأنت تنتقل إلى الحجج عبر تقسيم الكتاب نزولاً إلى أجزاء ثم الفرضيات والحجج، وتنتقل إلى الحجج والفرضيات للأعلى بدءاً من الكلمات المصطلحية ثم الجمل المكونة للفرضيات. إذا أكملت هاتين العمليتين تستطيع القول فعلاً أنك تعرف محتوى الكتاب.

الجمل (sentences) مقابل الفرضيات (propositions)

  • تعتبر الجمل والفقرات وحدات نحوية أو وحدات لغوية. في المقابل الفرضيات والحجج تعد وحدات منطقية أو وحدات فكر ومعرفة.
  • الفرضيات هي أجوبة لأسئلة. فهي تعبير عن معرفة أو رأي. لهذا نطلق على الجمل التي تعبر عن الفرضيات بـ التقريرية أو التصريحية (declarative)، ونفرقها عن الجمل التي تعبر عن الأسئلة ونطلق عليها استفهامية (interrogative).
  • ينبغي الانتباه أن العلاقة بين الجمل والفرضيات ليست واحد لواحد، بمعنى أنه قد نجد فرضية واحدة تتكون من عدة جمل، والعكس صحيح، حيث أن جملة بسيطة قد تحتوي على عدة فرضيات.

حان الوقت للقاعدتين السادسة والسابعة:
القاعدة السادسة: أعثر على أكثر الجمل أهمية في الكتاب وعلّمها، ثم اكتشف الفرضيات التي تحتويها.
القاعدة السابعة: أعثر على أو ابن الحجج الأساسية للكتاب من خلال البحث عنها في علاقات الجمل.

العثور على الجمل المفتاحية

  • من وجهة نظر القارئ، الجمل المهمة لك هي التي تتطلب جهداً لتفسيرها، لأنها من النظرة الأولى ليست واضحة تماماً. فأنت تفهمها بالقدر الذي يعلمك بأنه هناك المزيد لفهمه. هي الجمل التي تقرأها ببطء أو عناية أكثر من البقية.
  • من وجهة نظر الكاتب، الجمل المهمة هي التي تعبر عن الأحكام التي تُبنى عليها الحجة.

“ربما بدأت ترى مدى أهمية أن يكون جزء من القراءة هو أن تكون مرتبكًا وتعرف ذلك (to be perplexed and know it). التعجب هو بداية الحكمة في التعلم من الكتب وكذلك من الطبيعة. إذا لم تسأل نفسك أبدًا أي أسئلة حول معنى فقرة ما فلا يمكنك أن تتوقع أن يمنحك الكتاب أي رؤى لا تمتلكها بالفعل.”

العثور على الفرضيات

  • مثل طريقة اكتشاف الكلمات المهمة، بإمكانك اكتشاف الفرضيات عن طريق تفسير كل الكلمات المكونة للجملة، خصوصاً الكلمات المفتاحية.
  • أفضل اختبار لمعرفة مدى فهمك لفرضية أو مجموعة فرضيات في جملة هو: عبر عنها بكلماتك. إذا لم تستطع أن تخرج من كلمات الكاتب فهذا يدل على أن الكلمات فقط هي التي انتقلت منه إليك وليس الفكر أو المعرفةأنت تعرف كلماته وليس عقله.

العثور على الحجج

  • الوحدة المنطقية للقاعدة السابعة هي الحجة، وهي سلسلة من الفرضيات، بعضها يعطى معنى للآخر. قد يعبر عن الحجة في جملة واحدة معقدة أو عدة جمل تكوِّن فقرة أو حتى عدة فقرات.
  • يجدر التنبيه أن العديد من الفقرات في أي كتاب لا تعبر عن أي حجة، أو حتى جزء منها.

أغلب الكتب الموجهة إلى العامة لا تحتاج إلى مختص في المنطق للعثور على الحجج، هذه بعض الأمور التي ستساعدك في القاعدة السابعة:

  • تذكر أن كل حجة يجب أن تتكون من عدد من الجمل، بعض هذه الجمل تعطي السبب لاقتناعك بالنتيجة التي يقترحها الكاتب. إذا عثرت على النتيجة أولاً ابحث عن الأسباب، أما إذا عثرت على الأسباب أولاً فانظر إلى أين تقود.
  • فرِّق بين نوعين من الحجج: التي تشير إلى حقيقة أو أكثر كدليل على تعميم، أو التي تقدم سلسلة من العبارات العامة لإثبات المزيد من التعميمات. النوع الأول من المنطق يسمى غالباً استقرائي (inductive)، بينما الآخر استنباطي (deductive).
  • لاحظ ما هي الأشياء التي يفترضها الكاتب، ما هي الأشياء التي يمكنه التدليل عليها وإثباتها، وما هي الأشياء التي لا تحتاج إلى إثبات بسبب أنها بديهية. مؤخراً صار من العرف أن يطلق على الفرضيات البديهية بتكرار المعنى (أو الحشو) (tautologies). من أمثلتها أن الكل أكبر من الجزء.

العثور على الأجوبة

القاعدة الثامنة تربط بين المرحلة الأولى والثانية، بعد أن صرنا على توافق مع الكاتب في معاني الكلمات والمصطلحات وتعرفنا على الفرضيات والحجج، نريد أن نعرف ما المشاكل التي يحاول الكاتب حلها وما التي نجح في الإجابة عليها؟

القاعدة الثامنة:  اكتشف ماذا حل الكاتب من المشاكل التي عرفها، وماذا لم يحل.

المرحلة الثانية من القراءة التحليلية

إذا كنت تتذكر، السؤال الثاني في القراءة التحليلية هو: ماذا تم طرحه بالتفاصيل، ولماذا؟ والهدف منه محاولة فهم الأفكار الأساسية والحجج التي تكوِّن الرسالة الأساسية للمؤلف. المرحلة الثانية من القراءة التحليلية (القواعد من 5 إلى 8) تساعدك في الإجابة عليه.

انتقاد الكتاب بإنصاف

  • قراءة كتاب يمكن اعتباره حوار بين القارئ والكاتب. في الحقيقة، القارئ هو الذي لديه الكلمة الأخيرة.
  • نشاط القراءة لا يقف عند فهم ما يحتويه الكتاب، بل يكتمل بنقده. وهذه المرحلة الثالثة من القراءة التحليلية، مرحلة النقد.
  • الكتاب الجيد قد يزيد من بصيرة القارئ، والمؤلف بهذا متفوق على القارئ، ولا يجدر بالقارئ أن ينتقده حتى يفهمه. فإذا فهم القارئ الكتاب فهو بهذا يرتفع إلى منزلة مقاربة لمكافئة الكاتب. هنا يكون القارئ مؤهل لممارسة حقه في الانتقاد.

دور البلاغة

  • بالنسبة للكاتب أو المتحدث، مهارة البلاغة تُعنى بكيفية الإقناع.
  • من ناحية القارئ أو المستمع، مهارة البلاغة تُعنى بمعرفة كيف يتعامل مع أي شخص يحاول إقناعه.

أهمية تعليق الحكم

القاعدة التاسعة: يجب أن تقول بثقة “أفهم”، قبل أن تقول أياً من التالي: “أتفق”، “أعترض/أختلف”، أو “أعلق الحكم”.

  • قد لا يبدو واضحاً في البداية، ولكن تعليق الحكم يعتبر نوع من النقد، فكأنك تقول أنه لم يتم إقناعك فتتفق أو لم تقتنع فتعترض، أي أن هناك شيئاً ناقصاً لم يتم عرضه.
  • كل كاتب تقريباً عانى من مراجعات وانتقادات من أشخاص لم يكلفوا أنفسهم عناء العمل المتضمن المرحلتين الأولى والثانية من أجل فهم الكتاب. كثيراً ما يعتقد الناقد أنه لا ينبغي عليه أن يكون قارءاً حتى يكون ناقداً.
    حقيقة لا توجد فائدة من الرد على الانتقادات التي بهذا الشكل. الرد الوحيد السياسي/المؤدب هو سؤال الناقد أن يعرض حجتك بكلماته، الحجة التي ينتقدها. إذا لم يستطع أن يعيدها بكلماته ستعرف أنه لم يفهمها ومن حقك أن تتجاهل انتقاده.
  • بعض الطلاب الذين لم يفهموا مقصود المؤلف لا يجدوا أي حرج في نصب أنفسهم نقاداً. وليس فقط يعترضون على ما لم يستوعبوه، بل حتى غالباً ما يتفقون مع مواقف لا يمكنهم التعبير عنها بوضوح بكلماتهم الخاصة. جدالهم مع الكاتب مثل قراءتهم عبارة عن كلمات فقط.

أهمية تجنب الجدل السيء

القاعدة العاشرة: إذا اعترضت فافعل ذلك بعقلانية وليس بشكل مثير للجدل.

  • إذا كان كل ما ترغب فيه إثارة الجدل فالفرصة أمامك، الكاتب ليس موجوداً عندك. إذا كان الرضا الفارغ هو ما تريده، يكفيك أن تقلب بعض الصفحات لتعثر على ما تريده من الجدال، والكاتب ليس أمامك ليرد عليك.
  • ولكن إذا استوعب القارئ أن الفائدة الحقيقية من الحوار مع الكتَّاب، سواء كانوا أحياء أو أموات، هو ما يمكن أن يتعلمه منهم بدون أن يستنقص منهم، سيرى عبثية مجرد إثارة الجدل لذاته.
  • المقصود أن القارئ ينبغي أن يكون جاهزاً للاتفاق أو الاختلاف. إذا حدث أي منهما يكون بسبب شيء واحد فقط: الحقائق.

في حل الخلافات

إذا اختلف القارئ مع الكاتب يجب أن يعطي سبب وجيه لذلك، وإلا ستكون معاملته للمعرفة كأنها مجرد رأي.

القاعدة الحادية عشر: احترم الفرق بين المعرفة والرأي الشخصي عن طريق إعطاء الأسباب لأي نقد أو حكم تطلقه.

المعرفة قد نعتبرها الآراء التي يمكن الدفاع عنها من خلال الأدلة المختلفة. الآراء التي نتحدث عنها هنا هي الأحكام غير المدعمة.

تلخيص للثلاث مقولات العامة المتعلقة بالخلاف التي تم نقاشها

هذه المقولات الثلاث تذكر شروط القراءة النقدية والطريقة التي ينبغي على القارئ أن يرد فيها على الكاتب:
1- الأولى تتطلب من القارئ أن يكمل عملية الفهم قبل الحكم
2- الثانية تحث على ألا يكون مثيراً للجدل أو الصدام
3- الثالثة تطلب من القارئ أن ينظر إلى الخلاف حول مسائل المعرفة على أنه قابل للمعالجة بشكل عام. وبشكل أكثر تفصيلاً تطلب منه أن يعطي أسباباً للاعتراضات بحيث لا يقتصر على ذكرها فقط، وهنا يكمن أي أمل للاتفاق.

الاتفاق أو الاختلاف مع الكاتب

هناك حالتين إذا قال القارئ “لم أفهم”: إما أنه لم يفهم بالفعل محتوى الكتاب لمشكلة من عنده، فيرجع ويعمل المزيد لفهم الكتاب، أو تكون “لم أفهم” عبارة نقدية تشير إلى عدم وضوح الكتاب لرداءة كتابته. في الحالة الثانية وهي في سياق النقد ينبغي على القارئ أن يشير بوضوح إلى مواطن الخلل كعدم اتساق أجزاء الكتاب أو الأجزاء المربكة أو الأجزاء غير ذات العلاقة.

ولكن هناك حالة، وهي التي سيتم التركيز عليها هنا، أن يكون القارئ قد قرأ كتاباً جيداً ويستطيع أن يقول “فهمته”. فإما أن يكون متفقاً مع الكاتب بشكل تام، فهنا يكون قد أتم ما عليه، أو تكون هناك نقاط اختلاف كلية أو جزئية.

يجدر التنبيه إلى نقطة مهمة، وهي أن الكثير من الناس يعتقد خطئاً أنه إذا كان هناك فهم مشترك من الأشخاص فلن يكون هناك اختلاف. وهذه إشارة إلى أن الاختلاف سببه ببساطة يرجع إلى عدم الفهم. إذا كان الاختلاف يرجع إلى عدم الفهم بطريقة صحيحة، فإن الخلاف ليس ذو أهمية. ولكن هناك اختلافات تنبع من الوصول إلى فهم مشترك بين القارئ والكاتب، المرحلة التي يمكن بوضوح اتخاذ موقف بطريقة عقلانية.

التحيز والحكم

من وجهة نظر مثالية، هناك ثلاث شروط يجب تحقيقها إذا كنت ترغب بطرح خلافك على نحو جيد:
الأول: من الضروري الإقرار بعواطفك التي تجلبها معك للخلاف، أو التي تحدث أثناءه.
الثاني: يجب أن تجعل افتراضاتك صريحة. الخلاف الجيد لا يجب أن يكون صراعاً حول الافتراضات.
الثالث: محاولة الحياد هي علاج جيد للعمى الذي يكاد يكون لا مفر منه في التحزب. حاول أن تنظر للأمر من منظور الطرف الآخر، وحاول أن تقرأ الكتاب بتعاطف لتجعل اختلافك متحضراً بشكل أكبر.

لكن هذه المثالية يصعب تحقيقها في الواقع، لهذا يتم محاولة الاقتراب منها. في ما يلي وصفة من أربع نقاط قد تساعدك وتسهل عليك تطبيق هذه الشروط، ويمكن طرحها عن طريق تخيل القارئ يتحاور مع الكاتب. بعد أن يقول “فهمت ولكن أختلف معك”، بإمكانه إن يُتبعها بواحدة أو أكثر من هذه الملاحظات:
1- “أنت جاهل” (you are uninformed)
2- “لديك معلومات مضللة” (your are misinformed)
3- “أنت غير منطقي” (you are illogical)
4- “تحليلك غير مكتمل” (your analysis is incomplete)

ولكن يجب التنبيه أن القارئ لا يمكنه أن يذكر هذه الملاحظات بإطلاقها على الكتاب كاملاً، ولكن ينبغي عليه تحديد الأماكن التي عليها الملاحظات، وتدعيم نقده بالأدلة.

الحكم على السلامة

النقاط الثلاثة الأولى مختلفة عن الرابعة كما سيتضح قريباً.

1- إذا قلت أن الكاتب “جاهل” فهذا يعني أنه ليس لديه جزء من المعرفة التي لها علاقة بالمشكلة التي يحاول حلها.

2- إذا قلت أن الكاتب “لديه معلومات مضللة” فهذا يعني أنه يؤكد ما ليس بصحيح. يعني أن الكاتب يدعي معرفة لا يمتلكها. ينبغي التنبيه إلى هذه النقطة فقط إذا كان لها علاقة باستنتاجات الكاتب.

3- إذا قلت أن الكاتب “غير منطقي” فهذا يعني أنه ارتكب مغالطة في التفكير (fallacy).
بشكل عام تنقسم المغالطات إلى نوعين:

  • الاستنتاج لا يتبع من الأسباب المقدمة
  • التناقض، وهذا يعني أن الكاتب يحاول أن يقول شيئين غير متوافقين.

الحكم على الاكتمال

يجدر التنبيه على نقطة هنا. إذا قلت أنك فهمت، إن لم تستطع أن تدعم أياً من الاعتراضات في النقاط الثلاث السابقة فإن هذا يلزمك الاتفاق من الكاتب. ليس لديك الحق لتختار كما تشاء ما تتفق أو تختلف معه بدون دعم واضح.

إذا لم تستطع أن تثبت أن الكاتب جاهل أو لديه معلومات مضللة أو غير منطقي في أجزاء محددة، فلا يمكنك أن تختلف معه، يجب أن تتفق. لا يمكن أن تقول، مثل الكثير من الطلاب والمؤلفين، “لا أجد أي خطأ في مقدماتك أو في المنطق، ولكن لا أتفق مع استنتاجاتك.”
إذا قلت شيء كهذا فهذا يعني أنك لا تحب هذه الاستنتاجات. أنت لا تختلف. أنت تعبر عن مشاعرك وتحيزاتك.

النقاط الثلاثة السابقة متعلقة بكلمات ومصطلحات الكاتب وفرضياته وحججه. النقطة الرابعة “تحليل الكتاب غير مكتمل” تتعلق بهيكل الكتاب ككل.
4- إذا قلت أن تحليل الكاتب “غير مكتمل” فهذا يعني أن الكاتب لم يحل كل المشاكل التي ابتدأ بها، أو أنه لم يستخدم كل ما لديه بطريقة جيدة، أو أنه لم يغطي كل التداعيات والتشعبات، وغيره من المواضيع.
لا يكفي أن تقول أن الكتاب غير مكتمل، ولكن يجب تعريف النقص بشكل كافي. قد يتفق القارئ جزئياً مع الكتاب، ولكن قد يعلق حكمه عليه ككل لعدم اكتماله. تعليق الحكم يرجع إلى عدم تمكن الكاتب من حل المشكلة بشكل كامل.

يمكن الآن رؤية كيف أن هذه النقطة الرابعة تربط المراحل الثلاثة للقراءة التحليلية لأي كتاب. الخطوة الأخيرة في تقسيم وتخطيط الكتاب هي معرفة المشاكل التي يحاول الكاتب حلها. الخطوة الأخيرة في التفسير هي معرفة المشاكل التي حلها الكاتب والتي لم يحلها. والخطوة الأخيرة في هذه المرحلة النقدية تدور حول الاكتمال.

القواعد الأربعة في هذا الفصل:
القاعدة الثانية عشر: أعرض أين كان الكاتب جاهلاً.
القاعدة الثالثة عشر: أعرض أين كان الكاتب لديه معلومات مضللة.
القاعدة الرابعة عشر: أعرض أين كان الكاتب غير منطقي.
القاعدة الخامسة عشر: أعرض أين كان تحليل الكاتب غير مكتمل.

رجوعاً إلى الأربع أسئلة الأساسية التي ينبغي أن تسألها لأي كتاب أثناء القراءة التحليلية:

  • ما هو الموضوع الأساسي للكتاب ككل؟ الأربع قواعد الأولى من القراءة التحليلية تساعدك على إجابة هذا السؤال.
  • ماذا تم طرحه بالتفاصيل، وكيف؟ القواعد من 5 إلى 8 تساعد في الإجابة على هذا السؤال.
    بقية القواعد السبع من 9 إلى 15 تساعد في الإجابة على السؤالين الثالث والرابع:
  • هل الكتاب صحيح؟ بمجمله أو ببعض أجزاءه؟
  • ماذا بعد؟ فكر بأهمية ما قرأته، لماذا يعتقد الكاتب أهمية ما كتب لك، وماذا تفعل بناء عليه؟
  • يلاحظ الكاتب أنه في السنوات الأخيرة، وبشكل غريب، ولأول مرة في تاريخ الغرب تضمحل أهمية السؤال عن الصحة “Is it true?” كمعيار أساسي في الحكم على الكتب، مقابل معايير أخرى كالإبداع والتغيير والغرابة والقوة.
  • إذا كنت بالفعل تبحث عن الاستنارة والتبصر، فإنه لا بد من السؤال في مرحلة من التعلم “ماذا بعد؟“. السؤال الرابع هو الذي يميز القراءة من أجل المعلومات عن الفهم.
  • قلة من الأشخاص يقرأون الكتب كلها بهذه الطريقة المثالية، ومن يفعل ذلك في الغالب يقرأ كتباً قليلة للغاية.
  • لتكون قارئاً متمكناً يجب أن تعرف كيف تستخدم المهارات التي تمتلكها بشكل تمييزي، حيث تقرأ كل كتاب بالطريقة التي تناسبه.

سرد لقواعد القراءة التحليلية

في ما يلي القواعد الخمسة عشر التي تم شرحها للقراءة التحليلية:

المرحلة الأولى: قواعد لمعرفة موضوع الكتاب

  • القاعدة الأولى: يجب عليك معرفة نوع الكتاب الذي تقرأه، ويكون ذلك أبكر ما تستطيع.
  • القاعدة الثانية: أذكر وحدة الموضوع للكتاب كاملاً في جملة واحدة أو عدة جمل على الأكثر (فقرة قصيرة).
  • القاعدة الثالثة: استعرض الأجزاء الأساسية للكتاب ووضح كيف تنتظم في وحدة موضوعية واحدة.
  • القاعدة الرابعة: اكتشف المشكلة التي تناولها الكاتب.

المرحلة الثانية: قواعد لتفسير محتوى الكتاب

  • القاعدة الخامسة: أعثر على الكلمات والمصطلحات المهمة، ومن خلالها توصل إلى توافق في الفهم مع الكاتب.
  • القاعدة السادسة: أعثر على أكثر الجمل أهمية في الكتاب وعلّمها، ثم اكتشف الفرضيات التي تحتويها.
  • القاعدة السابعة: أعثر على أو ابن الحجج الأساسية للكتاب من خلال البحث عنها في علاقات الجمل.
  • القاعدة الثامنة: اكتشف ماذا حل الكاتب من المشاكل التي عرفها، وماذا لم يحل.

المرحلة الثالثة: قواعد لنقد الكتاب

  • القاعدة التاسعة: يجب أن تقول بثقة “أفهم”، قبل أن تقول أياً من التالي: “أتفق”، “أعترض/أختلف”، أو “أعلق الحكم”.
  • القاعدة العاشرة: إذا اعترضت فافعل ذلك بعقلانية وليس بشكل مثير للجدل.
  • القاعدة الحادية عشر: احترم الفرق بين المعرفة والرأي الشخصي عن طريق إعطاء الأسباب لأي نقد أو حكم تطلقه.
  • لقاعدة الثانية عشر: أعرض أين كان الكاتب جاهلاً.
  • قاعدة الثالثة عشر: أعرض أين كان الكاتب لديه معلومات مضللة.
  • القاعدة الرابعة عشر: أعرض أين كان الكاتب غير منطقي.
  • القاعدة الخامسة عشر: أعرض أين كان تحليل الكاتب غير مكتمل.

المستوى الرابع: القراءة التركيبية (syntopical reading)

القراءة التركيبية مهمة عند الحاجة للبحث عن موضوع من خلال عدة كتب.

المتطلب الأول أن تعرف أن الإجابة عن سؤال ما يحتاج لقراءة أكثر من كتاب.
المتطلب الثاني أن تعرف أي الكتب ينبغي أن تقرأ بشكل عام للإجابة عن السؤال. ومعرفة ذلك أصعب بكثير مما يبدو، ومنبع الإشكال أننا عندما نبحث عن كتابين أو أكثر في نفس الموضوع، فماذا نقصد “نفس الموضوع”؟

ضرب الكاتب مثالاً عند البحث عن موضوع الحب. وطرح أسئلة كثيرة توضح تشعب وتعقيد الموضوع وعدم وجود تعريف محدد. “الحيوانات تحب الحياة” و”أنا أحب كرة القدم” و”الزوجان يحبان بعضهما” و”الولد يحب والدته” و غير ذلك الكثير من الأمثلة التي توضح تشعب موضوع قد يكون في ظاهره بسيطاً مثل الحب، لهذا ستجد كم هائل من المراجع. تحتاج أن تحدد بالضبط الموضوع الذي تريد أن تبحثه لتحصر الكتب المناسبة له.

وأحد الصعوبات في هذه المهمة أنه حتى نحدد بالضبط الموضوع الذي نريد أن نبحث عنه بالمعنى المناسب نحتاج أن نجيب عنه بطريقة أو أخرى! وهنا تظهر المفارقة في القراءة التركيبية. بالرغم من أن تعريف هذا المستوى هو قراءة كتابين أو أكثر في نفس الموضوع، وهذا يعني أن تعريف الموضوع يجب أن يكون واضحاً قبل البدء في القراءة، إلا أن التعريف الدقيق للموضوع يتضح بعد القراءة وليس قبلها! هذا باستثناء إذا ما كنت متخصصاً في الموضوع طبعاً.

مهمة المسح في القراءة التركيبية

تم سابقاً الحديث عن علاقة المرحلة الأولى (القراءة التفتيشية) بالمرحلة الثانية (القراءة التحليلية). الخطوة الأولى في القراءة التفتيشية هي المسح، وفائدتها معرفة ما نوع الكتاب وهيكله. الخطوة الثانية هي القراءة السطحية وتساعد في معرفة الكلمات المفتاحية والمصطلحات والافتراضات والحجج بشكل سريع.

في القراءة التركيبية تعد القراءة التفتيشية أداة أساسية للقارئ. تخيل أن لديك مئات أو آلاف المراجع، ليس من المعقول أن تقرأها كلها قراءة تحليلية حيث أنها تحتاج وقت وجهد كبيرين، وقد تكتشف في النهاية أن بعض المراجع غير مناسبة فتكون أضعت وقتك وجهدك. هنا يأتي دور تطبيق مهاراتك في القراءة التفتيشية لتفحص كل الكتب في قائمتك قبل أن تشرع في قراءتها تحليلياً. القراءة التفتيشية ستعطيك فائدتين مهمتين:
الأولى: أنها تزودك بتصور جيد عن الموضوع الذي تبحث فيه مما يساعدك على قراءة الكتب المختارة تحليلياً بطريقة أفضل.
الثانية: أنها تساعدك على تقليص عدد المراجع إلى عدد يمكن قراءته بطريقة أفضل.

وهذه النصيحة مفيدة جداً للطلاب، خصوصاً طلاب الدراسات العليا. بالرغم من أن كثيراً منهم يستطيع القراءة جيداً، لكنهم يضيعون جهداً كبيراً لأنهم لا يعرفون كيف يقرأون بعض الكتب بشكل أسرع من الأخرى.

  • القارئ التفتيشي الجيد لا يصنف فقط مواضيع الكتب في ذهنه ويأخذ تصور عن محتواها، لكن في الوقت القصير الذي يمسحه بإمكانه أن يعرف إذا كان الكتاب يقول شيء مهم متعلق بالموضوع تحت البحث.
  • يجب أن لا تنسى أن القراءة التحليلية تنطبق على قراءة كتاب واحد عندما يكون الهدف من الكتاب هو فهمه. بينما الهدف من القراءة التركيبية مختلف كما سنرى.

الخطوات الخمس للقراءة التركيبية

هناك خمس خطوات في القراءة التركيبية سيتم عرضها الآن.

الخطوة الأولى: العثور على الفقرات ذات الصلة
في القراءة التركيبية، تتم الإجابة عن تساؤلاتك عن الموضوع الذي يهمك وليس تساؤلات الكتب التي تقرأها. لهذا الخطوة الأولى أن تجري مسحاً سريعاً للكتب المختارة والبحث عن الفقرات ذات العلاقة للموضوع والأسئلة التي تهمك.

غالباً يكون هذا المسح مختلفاً عن المسح الأولي الذي تكون مهمته اختيار الأعمال ذات العلاقة بسبب صعوبة عمل الأمرين بنفس الوقت (العثور على الفقرات ذات العلاقة واختيار الكتب المناسبة)، إلا إذا كنت قارءاً محترفاً وملماً بالمجال بشكل جيد.

الخطوة الثانية: جلب المؤلفين إلى الاتفاق على المصطلحات
كما مر في القراءة التحليلية، من أهم الخطوات الوصول إلى توافق مع الكاتب حول الكلمات والمصطلحات المستخدمة. لكن في القراءة التركيبية ستقرأ لعدة كتاب قد يختلفوا فيما بينهم في اختيار أو استخدام المصطلحات والكلمات. لهذا يجب أن تكون أنت من يحدد الكلمات والمصطلحات ومعانيها، ثم تجلب الكُتَّاب إليها بدلاً من العكس. وقد تكون هذه أصعب خطوات القراءة التركيبية.

يمكن تصور القراءة التركيبية أنها عبارة عن عملية ترجمة، ولكن ليس بين اللغات ولكن بين معاني المؤلفين واستخداماتهم للمصطلحات.

الخطوة الثالثة: جعل الأسئلة واضحة
حيث أننا وضعنا على عاتقنا مهمة تعريف الكلمات والمصطلحات، يجب علينا أيضاً أن نضع مجموعة من الافتراضات الحيادية. وأفضل طريقة لذلك هي أن تطرح مجموعة من الأسئلة التي تسلط الضوء على الموضوع، بحيث يجيب كل مؤلف عليها.
وهذا أيضاً صعب من عدة نواحي، فقد لا نجد إجابات من كل الكتاب على كل الأسئلة، وقد لا نجد إجابات مباشرة ولكن تكون مضمنة في كلام الكاتب.

يجب أن لا نتوقع أن يجيب كل المؤلفين عن أسئلتنا بنفس الطريقة. إذا فعلوا ففعلياً لا توجد مشكلة لنحلها، سيكونوا قد حلوها بالإجماع.

الخطوة الرابعة: تعريف المشكلة
إذا كان لدينا سؤال واضح تم الإجابة عليه بطرق مختلفة سنكون عندها عرفنا مكان إشكال بين الكتاب. ستكون مهمتنا أن نرتب محلات الخلاف والإشكال وأن نقسم الكتاب حسب وجهات نظرهم.

أحد المشاكل التي قد تواجهك أن يكون الاختلاف في الأجوبة مصدره اختلاف في فهم السؤال أو فهم الموضوع، ولقد لا يكون هذا دائماً واضحاً. مهمتك في القراءة التركيبية أن تجمع وجهات النظر المختلفة لنفس الأسئلة والمواضيع.

الخطوة الخامسة: تحليل النقاش
الأربع الخطوات السابقة تناظر مجموعتي القواعد الأولى للقراءة التحليلية، فهي تتيح لنا الإجابة عن ماذا قيل في الموضوع؟ وكيف تم ذلك؟ (وبأي طريقة تمت الإجابة؟).

تناظر هذه القاعدة الخامسة الإجابة عن السؤالين: هل هذا صحيح؟ وماذا بعد؟.

مهمتك في القراءة التركيبية ليس فقط الإجابة عن الأسئلة، لكن الوصول للحقيقة، وهذا شيء ليس بالسهل. قد لا نصل إلى الحقيقة من خلال أحد الإجابات من الكتاب، ولكن من خلال التفاعل بين الكتاب من خلال إجاباتهم المختلفة (والمتضادة أحياناً). الحقيقة قد تتكون من النقاش المرتب نفسه. لهذا كي نصل إلى الحقيقة نحتاج أن نعمل أكثر بكثير من طرح الأسئلة وإجابتها فقط. يجب أن نسأل الأسئلة بطريقة مرتبة ومنطقية، وأن نعرض كيف تم الإجابة على الأسئلة بطريقة مختلفة، ولماذا؟
حينها يمكن أن نقول أننا حللنا النقاش للمشكلة أو الموضوع. وحينها فقط يمكن أن ندعي أننا فهمنا المشكلة أو الموضوع.

الحاجة للموضوعية

  • من المهم في القراءة التركيبية أن يكون القارئ محايد، وذلك بأن يعرض الإجابات عن الأسئلة ويحللها بموضوعية. إذا حاول القارئ أن يثبت أو ينفي أي وجهة نظر فسيكون قد خرج من نطاق القراءة التركيبية إلى عرض وجهة نظر إضافية للنقاش ويكون خرج من الموضوعية.
  • هذه الخاصية الفريدة للقراءة التركيبية التي تحاول الوصول إليها يمكن تلخيصها بعبارة “الموضوعية الجدلية” (dialectical objectivity).
  • يمكن خرق الحيادية بعدة طرق خفية، مثلاً بطريقة تلخيص الحجج وعن طريق التركيز والإهمال وعن طريق نبرة السؤال وعن طريق ترتيب الإجابات على الأسئلة الأساسية.
  • القارئ التركيبي بختصار يحاول أن ينظر إلى كل الأطراف بدون أن ينحاز إلى أي طرف (To look at all sides and to take no side).

مُساعِدات القراءة

تطرق الكاتبان إلى بعض المُساعِدات للقراءة، وفي البداية تم ذكر بعض التعريفات:

القراءة الجوهرية/الداخلية (Intrinsic reading): أن تقرأ الكتاب لوحده بدون أي كتب أخرى.

القراءة الخارجية (Extrinsic reading): قراءة كتاب بمساعدة خارجية.

تنقسم المساعدة الخارجية في القراءة إلى أربعة أقسام:

  1. الخبرة ذات العلاقة
  2. كتب أخرى
  3. التعليقات (commentaries)
  4. كتب المراجع

الخبرة ذات العلاقة

  • الخبرة الشائعة والخبرة الخاصة التخصصية
  • الخبرة الشائعة لا يعني أنها مشاركة من الجميع، الشائع لا يعني أنه عالمي. مثلاً من الشائع أن يكون لدى الشخص والدين، ولكن قد يحدث أن يكون الشخص يتيماً منذ أن ولد.

كتب أخرى

  • ليس فقط الكثير من الكتب الكبرى تكون ذات الصلة، ولكنها أيضاً كتبت بترتيب معين لا ينبغي إغفاله.
  • قراءة الكتب ذات الصلة بترابط وترتيب معين يجعل الكتب المتأخرة في القراءة تُفهم بشكل أفضل، وهو شيء بديهي في قراءة مثل هذه الكتب.
  • مثل أن كل الكتاب هو السياق لأجزاءه، فإن الكتب ذات الصلة تعطي سياق أكبر يساعدك على تفسير الكتاب الذي تقرأه.
  • يجدر التنبيه أن الحاجة لقراءة الكتب بترتيب معين مناسب أكثر لكتب التاريخ والفلسفة وليس كتب العلوم والأدب. وهي أهم في حالة الفلسفة لأن الفلاسفة قرَّاء لأعمال بعضهم ويبنون عليها.

كيف تستخدم كتب التعليقات والمختصرات؟

  • يجب أن لا تقرأ أي كتب تعليق قبل أن تقرأ الكتاب الذي يعلق عليه.
  • قراءة كتب التعليق قد يؤثر عليك ويحصر تفكيرك في الشرح.
  • المختصرات لا تغني عن قراءة الكتاب ولكن تساعد على تنشيط ذاكرتك إذا كنت قرأته من قبل. أيضاً إذا لم تقرأ الكتاب بعد، تساعد في اتخاذ قرار القراءة من عدمه.

كيف تستخدم كتب المراجع؟

لتستخدم كتب المراجع بشكل فعال يجب أولاً أن تكون لديك فكرة حتى لو ضئيلة عما تريد أن تعرفه.
ثانياً: يجب أن تعرف أين تجد ما تريد أن تبحث عنه.
ثالثاً: يجب أن تعرف كيفية ترتيب المرجع.
رابعاً: يجب أن تعرف أن مؤلف/ي الكتاب يعتبره قابلاً للفهم.

تحدث الكاتب عن المعاجم والموسوعات وكيفية استخدامهما:

  • المعاجم مجالها الكلمات والموسوعات مجالها الحقائق.
  • فن استخدام الموسوعات كأداة مساعدة للقراءة هو فن توجيه الأسئلة المناسبة حول الحقائق.

قراءة أنواع مختلفة من الكتب

في هذا الجزء استعرض الكاتبان بعض الأنواع المختلفة من الكتب مع نصائح عن كيفية قراءتها، ولي هنا بعض الملاحظات. الأولى: حيث أن الكاتب غربي فكل أمثلته تقريباً من الكتب الغربية في المواضيع التي تحدث عنها، ومع ذلك فالنصائح في رأيي مناسبة لكثير من الكتب العربية. الثانية: بعض العلوم العربية والإسلامية كالنحو والتفسير والحديث تحتاج أيضاً منهجيات معينة لقراءتها، ولن يتم التعرض لها هنا. ثالثاً: كتب تخصصات الحاسب (وأتكلم عنها لأنها مجال تخصصي) قد تكون نظرية أو عملية، بشكل عام ينطبق عليها ما كتب هنا مع تفصيلات إضافية صغيرة من الناحية التطبيقية.

من المهم التنبيه أن القواعد الخمسة عشر للقراءة التحليلية لا تنطبق على قراءة القصص الخيالية والشعر. الروايات والمسرحيات والشعر ليست قائمة على المنطق، ونقدها قائم على منطلقات أخرى.

لكن لا تخف، فلن تحتاج أن تتعلم مجموعة جديدة من القواعد لقراءة الخيال والشعر. فيمكن استخدام قواعد القراءة التحليلية السابقة لأي مجال بالطريقة التي تناسبه وذلك من خلال كيفية طرح الأسئلة الأربعة التي تم نقاشها سابقاً لكل ما تقرأه. هذه الأسئلة مناسبة لأي كتاب في أي موضوع بشرط تطويعها لتناسب موضوع الكتاب. في جزء كيفية قراءة مواضيع معينة سيتم التركيز على الأسئلة الأربعة بدلاً من قواعد القراءة. وقد يتم بشكل ما إضافة قانون جديد أو مراجعة آخر.

الكتب غير الأدبية (expository) تنقسم إلى قسمين أساسيين هما: العملية والنظرية، والكتب النظرية تنقسم أيضاً إلى التاريخ والعلوم والرياضيات والفلسفة.


كيف تقرأ كتاباً عملياً؟

الكتب النظرية بإمكانها أن تحل المشكلة التي تطرحها من خلال نفس الكتاب، ولكن الكتب العملية ليس بإمكانها ذلك. لا يمكن حل مشكلة الكتب العملية إلا بالأفعال، والأفعال تقع في العالم الحقيقي وليس في الكتب.

تنقسم الكتب العملية إلى قسمين:

  1. بعضها تقديم أو عرض لقواعد أو قوانين، مثل كتب الطبخ أو دليل القيادة.
  2. النوع الآخر يهتم بشكل أساسي بالمبادئ التي تولِّد القواعد، مثل كتب الاقتصاد والسياسة والأخلاق.

الفرضيات الأساسية (propositions) التي تبحث عنها أثناء قراءة الكتب العملية هي القواعد العملية. الحجج في الكتب العملية هدفها أن تدعم القواعد المقترحة لتريك أنها سليمة. القارئ الذكي يحاول أن يكتشف بنفسه كيف يمكن تطبيق القواعد عملياً.

تعريف الصحة يختلف في الكتب العملية عن النظرية. القاعدة عملياً تكون صحيحة بشرطين:
الأول: أن تعمل
الثاني: أن عملها يؤدي إلى الغاية التي تريدها

في نقد الكتب العملية، كل شيء يشير إلى الغايات أو الأهداف. نقدك الأساسي سيكون مركزاً على الغايات وليس الوسائل.

مهمة الإقناع

عند قراءة أي كتاب عملي يجب أن تسأل نفسك سؤالين مهمين:
الأول: ما هي أهداف المؤلف؟
الثاني: ما الوسائل التي يقترحها للوصول إليها؟

وحيث أن حكمك النهائي وقبولك للكتاب يعتمد على الأهداف التي يقترحها، فإن مؤلفي الكتب العملية غالباً ما يحاولون إقناعك بشتى وسائل الإقناع والدعاية وأن يكسبوا تعاطفك. لا يمكن استبعاد العواطف أثناء الحكم على الكتب العملية.

أفضل طريقة لحماية نفسك من الدعاية من أي نوع هي أن تعرفها على ما هي عليه. القارئ الجيد يستطيع اكتشاف الفقرات التي فيها استخدام عاطفي للكلمات ومن ثم يزن أهمية إقناعها.

هناك نقطة أخرى، بسبب طبيعة الكتب العملية فإن شخصية الكاتب لها أهمية أكبر من الكتب النظرية. خلفية الشخص العلمية والتاريخية ستساعدك على فهم السياق وتقييم الكتاب بطريقة أفضل.

ماذا يتضمن الاتفاق في حالة الكتب العملية؟

رجوعاً إلى أسئلة القراءة الأساسية:

السؤالين الأول والثاني لا يختلفان بشكل كبير في الكتب العملية.

السؤال الثالث: هل هو صحيح؟ فيه اختلاف نوعاً ما.
في الكتب النظرية، إذا اتفق ما يقوله الكتاب مع تجربتك لما عليه الأشياء فينبغي لك الإقرار بصحته. أما في الكتب العملية معيار الصحة إذا اتفقت أهداف ووسائل المؤلف مع ما تعتقد أنه ينبغي الوصول له وكيف ينبغي أن نصل له.

السؤال الرابع: ماذا بعد؟ مختلف بشكل كلي.
في الكتب النظرية عادة تتغير نظرتك العامة إلى الموضوع نوعاً ما، لكن الاتفاق في الكتب العملية يعني أن هناك أفعال يجب أن تنفذ من طرفك.


كيف تقرأ الأدب؟

قد ينعقد لسانك إذا سألك أحد عن ماذا أعجبك في رواية قرأتها. القراءة الناقدة لأي شيء تعتمد على كمال فهم الشخص له. من لا يستطيع أن يذكر ما أعجبه في رواية ما غالباً لم يقرأها بتعمق كبير واكتفى بالسطح.

الأدب في الأساس يمتع أكثر من كونه يعلم. الإمتاع أسهل بكثير من التعليم، ولكن من الصعب جداً معرفة لماذا الشخص مستمتع. تحليل الجمال أصعب من تحليل الحقيقة.

كيف لا تقرأ الأدب؟

من المهم معرفة الفرق بين الكتب غير الأدبية (expository) والكتب الأدبية. الكتب غير الأدبية تحاول أن توصل معرفة، بينما كتب الأدب تحاول أن توصل تجربة معينة بذاتها، وإذا نجحت تعطي القارئ شيئاً يستمتع به. بسبب اختلاف أهدافهما، فإن هذين النوعين من الأعمال تستهدف كلاً من العقل والخيال بطريقة مختلفة.

  • لا تحاول أن تقاوم تأثير عمل أدبي عليك. بعكس القراءة النشطة، فإن قراءة الأدب والشعر تعد قراءة سلبية حيث نجعلها تُعمِل تأثيرها فينا. يجب أن نفتح أنفسنا لها.
  • لا تقصر نظرك إلى المصطلحات والفرضيات والحجج في الأعمال الأدبية، حيث أنها أدوات منطقية لا تناسب الهدف الأساس. الكتب الأدبية قد تتعمد الغموض والاستعارات تحقيقاً لهدفها. طبعاً من الممكن أن نتعلم أشياء من كتب الأدب كالروايات والأشعار والمسرحيات، ولكنها معرفة مشتقة عن طريق صنع تجارب نتعلم من خلالها.
  • لا تنقد الأعمال الأدبية بمعايير الحقيقة والاتساق التي تنطبق على توصيل المعرفة كما ينبغي. إذا قرأنا رواية فنحن نتوقع قصة ينبغي أن تكون حقيقية من جهة أنها قد تكون حدثت في عالم الشخصيات والأحداث التي خلقها الراوي وتجسدت في مخيلاتنا.

قواعد عامة لقراءة الأدب

يمكن اقتراح ثلاثة مجموعات من القواعد لقراءة الأدب:

  1. هيكلية (structural)
  2. تفسيرية (interpretive)
  3. نقدية (critical)

أولاً: بخصوص القوانين المتعلقة بالهيكل:

  • يجب عليك أن تعرف نوع العمل الذي تقرأه، رواية، مسرح، شعر، … أو غيرها
  • يجب أن تستوعب الوحدة للعمل، مثلاً في الرواية الوحدة دائماً هي الحبكة (plot)
  • يجب أن تكتشف كيف تكونت الوحدة من أجزاءها، مثلاً في الرواية الخطوات التي اتخذها الكاتب في نسج حبكته -تفاصيل الشخصيات والحوادث.

ثانياً: ما هي القواعد التفسيرية أثناء قراءة كتب الأدب؟

  • العناصر الأساسية في كتب الأدب هي الأحداث والشخصيات، أفكارهم وأحساسيسهم وأفعالهم. عن طريق التلاعب بهذه العناصر يروي الراوي قصته. هذه العناصر تقابل المصطلحات في الكتب غير الأدبية.
  • بينما تربط الصطلحات باستخدام الفرضيات في الكتابة غير الأدبية، فإن الربط في كتب الأدب (هنا القصص والروايات) تكون عن طريق المشهد أو الخلفية. لهذا حاول أن تعيش المشهد وأن تكون جزءاً منه تراقبه من الداخل حتى تستوعب فرضيات الكاتب.
  • الكشف عن الحبكة (مقابلاً للحجة والتدليل) هي الرابط الديناميكي لمشاهد الرواية.

إذا طبقت ما سبق فلن تعرف فقط ماذا أعجبك، ولكن أيضاً لماذا أعجبك؟

ثالثاً: ما هو الدور النقدي في قراءة الأدب؟
لا تنتقد عمل الكتابة الأدبية حتى تقدر بشكل كامل ماذا أراد الكاتب أن يجعلك تشعره أو تعيشه (experience). في الكتابة الأدبية لا ننتقد الحقيقة، ولكن الجانب الجمالي. جمال أي عمل فني يتعلق بالمتعة التي تعطيناها إذا عرفناها جيداً.

حتى تصل إلى التقدير المناسب، كما تصل إلى الفهم، يجب أن تقرأ بنشاط. وهذا يعني ممارسة كل أنشطة القراءة التحليلية التي ناقشناها هنا. يجب أن تنتقل من ذكر ماذا أعجبك أو لم يعجبك ولماذا، إلى أن تذكر ما هو جيد أو غير جيد في الكتاب ولماذا. كلما زادت قدرتك على كتابة تأملاتك في تمييز سبب متعتك في قراءة كتاب أدبي أو شعر، كلما كنت أقرب لأن تفهم الميزة الفنية في العمل الأدبي بنفسك.


مقترحات لقراءة القصص والمسرحيات والأشعار

هذا الجزء يستعرض بعض المقترحات الخاصة حول قراءة القصص والمسرحيات والأشعار.

تم في الفصل السابق استعراض الأسئلة الثلاثة المتعلقة بقراءة كتب الخيال الأدبي:

السؤال الأول: عن ماذا يتحدث الكتاب ككل؟
بإمكانك الإجابة على السؤال إذا استوعبت الوحدة للعمل وإذا استطعت أن تصف الحبكة (plot) للقصة أو المسرحية أو القصيدة.

السؤال الثاني: ماذا قيل بالتفصيل، وكيف؟
تجيب على هذا السؤال إذا استطعت أن تصف بكلمات العناصر الأساسية في كتب الأدب، وهي الأحداث والشخصيات، أفكارهم وأحساسيسهم وأفعالهم.

السؤال الثالث: هل الكتاب صحيح، بكله أو أجزاءه؟
تجيب على هذا السؤال إذا كان بإمكانك أن تعطي نقد منطقي عن الحقيقة الشعرية للعمل. هل هي قصة واقعية؟ هل يرضي العمل قلبك وعقلك؟ هل تقدر جمال العمل؟ وفي كل من هذه الأسئلة هل تستطيع أن تقول لماذا؟

أما بخصوص السؤال الرابع: ماذا بعد؟
هذا السؤال يتم تفسيره بشكل مختلف عن الكتب غير الأدبية. ينبغي أن يكون في البال أن الأعمال الأدبية قد تحاول إيصال فكرة أو تستدعي أفعال، قد تكون سياسية أو اقتصادية أو أخلاقية. ولكنها ليست دائماً الحال. الأعمال الأدبية ليس عليها أن تستدعي أفعال، فهي تعد من الفنون. لتقرأها جيداً، كل ما عليك هو أن تعيشها.

تكلم الكاتبان عن قراءة القصص، والنصيحة الأساسية لقراءة القصص التي ذكرها: إقرأ القصة بسرعة وبانغماس كامل.

ثم ذكرا ملاحظات عن الملاحم وكيفية قراءة المسرحيات والتراجيديات. وتكلما بعد ذلك عن قراءة الشعر، وذكرا نصيحتين بارزتين لذلك:
الأولى: أن تقرأ القصيدة بشكل كامل بدون توقف، سواء اعتقدت أنك تفهمها أو لا. والهدف من ذلك استكشاف وحدة القصيدة، في الغالب لن تستوعب جوهر القصيدة من أول سطر أو حتى جزء.

الثانية: اقرأ القصيدة مرة أخرى، ولكن بصوت عالي.


كيف تقرأ التاريخ؟

بداية ذكر الكاتب عدة تعريفات للتاريخ وعدم اتفاق المؤرخين عليها، ثم ذكر التعريف المقترح: أن جوهر التاريخ هو السرد (narration).

صعوبة التحقق من الأحداث التاريخية

المؤرخ يهتم بالأحداث التي وقعت، وأغلبها منذ فترة طويلة حيث أن كل الشهود على هذه الأحداث غالباً قد ماتوا. الأدلة التي أدلوا بها لم يتم الحكم عليها بمعايير عالية (كمعايير قبول شهادة الشهود في المحكمة). لهذا بالإمكان لأي شاهد أن يظن أو يراهن أو يقدر أو يفترض. لا يمكننا حتى رؤية وجوههم لنحكم على إمكانية كذبهم من ملامحهم. كما لم يتم استجوابهم، ولا توجد ضمانات للتأكد من معرفتهم لما تكلموا عنه. لهذا فإن الحقيقة التاريخية، بالرغم من شعورنا بالثقة فيها، تعد واحدة من أكثر الأشياء صعوبة في الإثبات.

نظريات التاريخ

من المهم أن تتذكر أن المؤرخ يجب دائماً أن يكون لديه موقف أو رؤية أو منهجية معينة. يجب عليه إما أن يجد أنماط عامة في الأحداث أو يفرضها عليها، أو يجب عليه أن يفترض أنه يعرف لماذا الأشخاص في أحداثه التي يرويها فعلوا ما فعلوا. قد تكون لديه نظرية عامة أو فلسفة محددة أو منهجية معينة، كالعناية الإلهية التي تحكم الشؤون الإنسانية، ويفصل تأريخه بناء عليه. أو قد ينكر أي نمط ويصر على أنه فقط يروي الأحداث الحقيقية التي حدثت. ولكنه في هذه الحالة مجبر أن يضع أسباباً للأحداث وحوافز للأفعال. من المهم معرفة المنهجية التي يعمل بها المؤرخ الذي تقرأ له.

بسبب اختلاف نظريات التاريخ، ولأن نظرية المؤرخ قد تؤثر على طريقة تعاطيه للحوادث، فإنه من الضروري أن تقرأ أكثر من تناول تاريخي لحادث أو حقبة إذا كنت تريد فهمها. هذه هي القاعدة الأولى في قراءة التاريخ. وتزيد أهمية هذا إذا كانت هذه الحادثة لها أثر عملي مباشر لنا. يجب أن نقر أن أي سرد تاريخي يجب أن يكتب من رؤية معينة. لكن للوصول إلى الحقيقة ينبغي أن ننظر للموضوع من عدة زوايا.

العالمية في التاريخ

في حالات كثيرة نقرأ التاريخ ليس فقط لمعرفة ما حدث في حقبة سابقة ولكن لمعرفة ما حدث بعدها، بل ولمعرفة ما يحدث الآن.

التاريخ بشكل عام عالمي. بعض المؤرخين ذكروا أن سبب كتابتهم للتاريخ كي يتعلم منه الناس في المستقبل حتى لا يعيدوا أخطاء الماضي. التاريخ هو قصة ما أفضى إلى اللحظة الحاضرة (الآن)، والحاضر هو ما يحدد المستقبل، لهذا بإمكانك أن تتعلم شيئاً عن المستقبل من خلال مؤرخ سبقك بحقب عديدة.

لنعيد القاعدتين في قراءة التاريخ:
الأولى: إذا استطعت، اقرأ أكثر من كتاب/تناول تاريخي لحدث أو حقبة تهتم بها.
الثانية: إقرأ التاريخ ليس فقط لتعرف ما حدث في الماضي، لكن أيضاً لتتعلم الطريقة التي يعمل بها الأشخاص في أي مكان وزمان، خصوصاً اللحظة الحاضرة (الآن).

أسئلة تطرح لكتاب التاريخ

أسئلة القراءة لكتب التاريخ:

السؤال الأول: عن ماذا يتحدث الكتاب ككل؟
كل تأريخ يتناول موضوعاً محدداً. لهذا إذا أردت أن تقرأ التاريخ بشكل جيد، من الضروري أن تعرف بالضبط عن ماذا يتحدث الكتاب وعن ماذا لا يتحدث.

السؤال الثاني: ماذا قيل بالتفصيل، وكيف؟
التاريخ يسرد قصة حدثت خلال زمن ما. تختلف طريقة الرواية التاريخية من كاتب لآخر، ومن مهمتك كقارئ أن تعرف الطريقة التي اختارها. هل التقسيم حسب الزمن أو الأحداث أو منهجية أخرى اختارها الكاتب؟ هل غطى الوضع الاقتصادي والحروب والحركات الدينية؟ ما هي المواضيع الأساسية من هذه التي ركز عليها الكاتب؟

السؤال الثالث: هل الكتاب صحيح، بكله أو أجزاءه؟
النقد التاريخي بشكل عام يأخذ شكلين:
الأول: يإمكاننا أن ننقد -بعد أن نفهم بالطبع- أن الكاتب يفتقد للواقعية/الاحتمالية (verisimilitude). الأشخاص لا يتصرفون بالطريقة التي يصفها كما نشعر. ينتابنا شعور بأن الكاتب لم يفهم المصادر ويفسرها بشكل جيد، قد يكون بسبب نقص في فهم الطبيعة البشرية (كمثال).
الثاني: قد نفكر أن الكاتب أساء استخدام المصادر التي لديه -خاصة إذا كان لديك خلفية في المجال. قد تكون لديه فكرة مغلوطة عن حقائق أو مواضيع. المؤرخ الجيد يجب أن يجمع بين مهارات الراوي والعالِم.

أما بخصوص السؤال الرابع: ماذا بعد؟
من المحتمل أنه لا يوجد نوع من العلوم له أثر أكبر على أفعال الأشخاص من التاريخ. الكثير من رجال الدول المميزين تعمقوا في التاريخ بشكل كبير. التاريخ يقترح عليك المحتمل، حيث أنه يذكر الأشياء التي تم عملها، إما أن نعملها مرة أو أخرى أو نتفاداها. لذا فإن الجواب الأساسي لهذا السؤال يكون في الأفعال السياسية العملية.

كيف تقرأ السيرة الشخصية (Biography) والسيرة الذاتية (Autobiography)؟

فرَّق الكاتبان بين عدة أنواع من السيرة الشخصية:
سيرة شخصية نهائية (definitive biography): يفترض بأن تكون نهائية وشاملة، وأن تكون عمل أكاديمي يتناول شخصاً مهماً بطريقة متعمقة. ينبغي قراءتها كتاريخ لأنها تصف جزءاً من التاريخ، تاريخ شخص والأحداث التي جرت من وجهة نظره.
سيرة شخصية معتمدة (authorized biography): غالباً ما تكون بتكليف من ورثة أو أصدقاء شخص مهم. لهذا قد لا تكون لها نفس مصداقية السيرة الشخصية النهائية، لأنه قد يتم تجميلها وتحسينها. وقد يكون للكاتب وصول إلى مستندات ورسائل مفيدة لكتابتها. لا تزال مفيدة، ولكن ينبغي قراءتها وأنت على معرفة بأنه قد لا تكون محايدة، وهي مفيدة لمعرفة الأحداث وطريقة العيش في حقبة ومكان معين.
سيرة شخصية عادية (ordinary biography): وهي ليست بعمق السابقتين.

السيرة الذاتية (autobiography): السيرة الشخصية التي يكتبها الشخص بنفسه. ومن المشكوك فيه أن شخصاً ما قد كتب سيرة ذاتية صحيحة، كما أنها سيرة عن حياة شخص لم تكتمل لعدم موت كاتبها.

بشكل عام، اقرأ السيرة الشخصية كما تقرأ التاريخ، وتناول السيرة الذاتية ببعض الشك. ونستفيد منها كما نستفيد من كتب التاريخ. السير الشخصية أيضاً قد تكون ملهمة لأنها غالباً قصة حياة أشخاص ناجحين قد نستلهم منها في حياتنا.

كيف تقرأ عن الأحداث الراهنة؟

  • صحيح أنه لا يجب أن نطبق قواعد القراءة التحليلية لأي شيء نقرأه، مثل الصحف والمجلات، لكن الأسئلة الأربعة يجب أن تسأل لأي شيء نقرأه.
  • التاريخ ليس فقط عن أحداث قبل آلاف أو مئات السنين، ولكن قد يكون لأشياء حدثت قريباً.
  • ينبغي أن نفهم، كمواطنين، أحداث العالم من حولنا.
  • المشكلة هي كيف نعرف بالضبط ما يحدث الآن؟ سيتضح لك أننا نواجه نفس مشاكل قراءة التاريخ.
  • أهم شيء يجب أن تعرفه إذا كنت تقرأ أي خبر أو تقرير عن أحداث راهنة: من الذي كتب التقرير؟ ليس المطلوب هنا معرفة الشخص بذاته، ولكن ما هي عقليته؟

من المعروف أنه من المهم معرفة تحيزات الشخص، ولكن أيضاً من المهم سؤال هذه الأسئلة (وهي فعلياً تشابه الأسئلة للقراءة غير الأدبية):
1- ماذا يريد الكاتب أن يثبت؟
2- من يريد أن يقنع؟
3- ما هي المعرفة المسبقة المتوقعة؟
4- ما اللغة التي يستخدمها؟ (يدخل في ذلك المصطحات الخاصة)
5- هل فعلاً يعرف ما يتحدث عنه؟


كيف تقرأ العلوم والرياضيات؟

سيتم الاقتصار على الكتب الكلاسيكية (القديمة) في العلوم والرياضيات، إضافة إلى الكتب العلمية الموجهة للعامة (الشعبية).

السبب الأساسي أنه حتى قرابة نهاية القرن التاسع عشر كانت الكتب العلمية الكبرى موجهة إلى الجمهور العادي. بينما أغلب الكتب العلمية الحديثة لا تهتم بالقراء العاديين ولا تحاول حتى الوصول إليهم. العلم اليوم يُكتب من المختصين إلى المختصين. الملاحظ أن هذا بدأ يسري إلى مجالات أخرى كالفلسفة والاقتصاد والتاريخ.

ماذا يفعل القارئ العام (غير المختص) في هذه الحالة؟ ليس بإمكانه أن يتخصص بكل المجالات. من المناسب له في هذه الحالة أن يقرأ الكتب العلمية الشعبية.

فهم المؤسسة العلمية

إلى فترة قريبة كان العلماء (المقصود في هذا الكتاب عموماً علماء الطبيعة التجريبيين) يستنقصون من الأشخاص الذين يدرسون تاريخ العلوم بأنهم يقومون بذلك لأنه ليس لديهم القدرة على الإسهام في العلم نفسه. ويمكن تلخيص رأيهم بما قاله جورج برنارد شو “من يمكنه سيفعل، ومن لا يمكنه سيدرِّس”.
ولكن لم يعد الحال كذلك، أحد الأسباب أن العلماء صاروا أكثر اهتماماً بطبيعة المؤسسة العلمية ذاتها. التأريخ العلمي لتطور العلوم مهم لتتبع تطور الحقائق والافتراضات والإثباتات وترابطها، ودراسة المنطق البشري، وهذا بحد ذاته يكفي لتبرير دراسة تاريخ العلوم.

مقترحات لقراءة الكتب العلمية الكلاسيكية

العلم الطبيعي بشكل أساسي يعتمد على الاستقراء، وهو وضع افتراضات عامة بناء على أدلة يمكن ملاحظتها. هناك في الغالب صعوبتين أساسيتين في قراءة الكتب العلمية:
الأولى: حتى تفهم الحجة الاستقرائية في كتاب علمي تحتاج أن تفهم الأدلة التي ذكرت كأساس، وللأسف الكتاب لا يكفي أحياناً لتأخذ تصور كامل عنها. لهذا أي أحد يرغب أن يفهم تاريخ العلوم يجب عليه ليس فقط أن يقرأ الكتب الكلاسيكية، ولكن أن يطلع بتجارب عملية على أهم التجارب في هذا التاريخ.

الصعوبة الثانية في قراءة الكتب العلمية هي مشكلة الرياضيات.

مواجهة مشكلة الرياضيات

الكثير يخاف من الرياضيات ويعتقد أنه لا يستطيع قراءتها أبداً. المشكلة تنبع جزئياً من أنه لم يخبرنا أحد في وقت مبكر حتى نستوعب أن الرياضيات عبارة عن لغة، ونستطيع أن نتعلمها كما نتعلم أي لغة أخرى. وبما أنها لغة، فهي تحتوي على مصطلحاتها وقواعدها ورموزها التي يحتاج القارئ المبتدئ أن يتعلمها. أي لغة هي وسيلة تواصل بين الأشخاص لموضوع يمَكِّنهما أن يصلا فيه إلى فهم مشترك.

التعامل مع الرياضيات في الكتب العلمية

  • باستطاعتك في الغالب أن تقرأ الرياضيات البسيطة بشكل أفضل مما تتخيل. ابدأ بكتب بسيطة حتى تجرب، مثل أحد كتب إقليدس Elements أو بعض كتب الرياضيات الإغريقية ستجد أنها ليست بتلك الصعوبة.
  • النقطة الثانية، إذا كنت ترغب في قراءة كتاب رياضيات (في حد ذاته)، يجب أن تقرأه من البداية إلى النهاية وبيدك قلم لتكتب على الهامش أو ورقة خارجية.
  • إذا أردت أن تقرأ كتاب علمي يحتوي على رياضيات، لا تحتاج (كقارئ غير مختص في المجال) أن تقرأ كل شيء. بإمكانك قراءة الفرضيات وتمر بشكل سريع على الإثباتات والنتائج والرسومات البيانية.
  • السبب الأساسي في استخدام الرياضيات من قِبَل الكتاب العلميين أنها دقيقة وواضحة ونطاقها محدود، مما يساعد على الفهم بشكل أوضح ولتقليل اللبس.
  • بشكل عام، قراءة الكتب التي تحتوي على رياضيات قد لا تكون بتلك الصعوبة إذا وضعت في بالك أن مهمتك الأساسية ليست أن تكون مختصاً في المجال مقابل أن تفهم المشكلة.

ملحوظة عن العلم الشعبي

الكتب أو المقالات العلمية الشعبية تكون موجهة إلى جمهور واسع، وليس فقط المختصين. هذا النوع من الكتابة يتجاوز المشكلتين التي تكلمنا عنهما في قراءة الكتب العلمية، حيث أنها تحتوي على شرح قليل للتجارب وتقتصر على الإخبار عن نتائجها. كما أنها تحتوي على كمية أقل نسبياً من الرياضيات (إلا إذا كان كتاب شعبي عن الرياضيات طبعاً).

المشكلة في مثل هذه الكتب، وقد تكون في المقالات أكثر، أن القارئ يكون تحت رحمة الكاتب (أو الصحفي) الذي يرشح المحتوى لنا، سنكون محظوظين لو كانوا جيدين.

نفس نصائح القراءة النشطة للفهم تنطبق على قراءة كتب العلوم التخصصية والشعبية.


كيف تقرأ الفلسفة؟

ملاحظة: كون الغالبية من القرّاء مسلمين فيجدر التنبيه على ضرورة الحذر عند قراءة الكتب الفلسفية إذا لم يكن لديك تأصيل جيد في المسائل العقدية والشرعية، حيث توجد الكثير من المسائل تتناول جوانب عقدية أساسية قد تكون ظاهرة أو خفية. وحتى مواضيع مثل الأخلاق لها تناول في الشريعة. مرد الإشكال الاكتفاء بالعقل أو الجمع بين العقل والمنقول الشرعي الصحيح في الإجابة على الأسئلة. ولا يمنع الاستفادة من الفلسفة في طرق التفكير ومجالات لا تعارض الشريعة كبعض مواضيع فلسفة العلوم.

  • بداية تطرق الكاتبان إلى طبيعة أسئلة الأطفال التي تبدو في ظاهرها أنها بسيطة ولكن في باطنها تحمل عمقاً. وكما قال أرسطو: الفلسفة تبدأ بالتساؤل. أسئلة الأطفال تبحث في العادة عن الأسباب، ويفقد البالغون عادة هذا النوع من الفضول مع تقدمهم في السن.
  • العقل الذي لا يستثار بأسئلة جيدة لا يمكنه أن يقدر أهمية حتى أفضل الأجوبة.
  • الذي نريد منك أن تعرفه أن أحد أكثر الأشياء لفتاً للنظر في كتب الفلسفة الكبرى هو أنها تسأل نفس الأسئلة العميقة التي يسألها الأطفال. المقدرة على المحافظة على نظرة الأطفال للعالم، وبنفس الوقت الفهم العميق لمعنى المحافظة عليه يعد نادراً جداً.
  • تعقيد حياة البالغين يقف في طريق معرفة الحقيقة. إذا أردت أن تفهم كتابات الفلاسفة يجب أن تفتح عقلك للأسئلة البسيطة الطفولية- والإجابات الناضجة عليها.

الأسئلة التي يطرحها الفلاسفة

تحدث الكاتب هنا عن طبيعة الأسئلة التي يطرحها الفلاسفة. فمنها الأسئلة حول الوجود (questions about being and existence) والأسئلة حول التغير وأسئلة عن الضرورة والصدفة (necessity and contingency). والأسئلة تحت هذه المواضيع ليست صعبة الكتابة أو الفهم، ولكن الإجابة عليها شديدة الصعوبة، بل بعض الفلاسفة أقر أنه لا يمكن الإجابة عليها بصورة مرضية.

ولكن الفلاسفة ليسوا محصورين في الأسئلة النظرية فقط. من الأسئلة العملية أسئلة الخير والشر (good and evil) والخطأ والصواب (right and wrong) والواجبات والالتزامات (duties and obligations) والفضائل والرذائل (virtues and vices) وعن السعادة (happiness) والغاية من الحياة (purpose of life) … وغيرها.

الأسئلة في ما سبق تندرج تحت مجموعتين تحددان قسمين للفلسفة:
الأول: الفلسفة النظرية أو التخمينية (theoretical or speculative)
الثاني: الفلسفة العملية أو المعيارية (practical or normative)

وكل منها تحته عدة فروع، فمثلاً الفلسفة النظرية يدخل تحتها الغيبيات أو ما وراء الطبيعة (metaphysical) وفلسفة الطبيعة (nature) وإذا كانت مهتمة بالمعرفة تكون عمل إبستيمولوجي/نظرية المعرفة (epistemology). أما بخصوص الفلسفة العملية فتندرج تحتها فروع كفلسفة الأخلاق أو السياسة.

الفلسفة الحديثة والتقليدية

على سبيل الاختصار، لنطلق على الأسئلة التي تتناول ماذا حدث في العالم أو ما يجب على الأشخاص فعله أسئلة الدرجة الأولى (first-order questions). يجب أن تعرف أن هناك أسئلة من الدرجة الثانية (second-order questions)، وهي أسئلة عن أسئلة الدرجة الأولى، أسئلة عن محتوى تفكيرنا أثناء إجابتنا على أسئلة الدرجة الأولى أو الطريقة التي نعبر فيها عن أفكارنا باستخدام اللغة.

تكمن أهمية التفريق بين الدرجتين في معرفة ماذا حدث في مجال الفلسفة في السنوات الأخيرة. يعتقد أغلب الفلاسفة الحديثون أنه لا يمكن الإجابة عن أسئلة الدرجة الأولى، لهذا يركزون جل جهدهم على أسئلة الدرجة الثانية. وحيث أن القراء غير المتخصصين في الفلسفة تهمهم أسئلة الدرجة الأولى، ابتعد الفلاسفة شيئاً فشيئاً عن القراء العاديين وصارت كتاباتهم غير موجهة لهم، تماماً مثل ما حصل في مجالات العلوم.

حتى قرابة عام 1930م أو بعدها بقليل، كانت الكتب الفلسفية موجهة إلى القارئ العام. كل الكتب الفلسفية المشهورة بداية من أفلاطون كانت موجهة إلى القارئ العادي، وباستطاعة أي أحد قراءتها -إذا بذل الجهد اللازم. سيتم التركيز في ما يلي على أسئلة الدرجة الأولى.

عن الطريقة الفلسفية

إذا كان السؤال علمي فستصمم تجربة علمية وتجريها للإجابة عن السؤال. وإذا كان تاريخي ستجري بحثاً باستخدام المصادر الموجودة. أما لإجابة الأسئلة الفلسفية فكل ما تستطيع فعله هو التأمل، لهذا لا يوجود شيء غير التفكير. طبعاً توجد اختبارات قاسية للتحقق من صحة الإجابات، ولكن كلها مبنية على التجربة المشتركة (common experience) فقط، على التجربة التي لديك كإنسان وليس فيلسوف.

ينبغي التنبيه لنقطة قد تسبب إرباكاً للبعض. يجب أن نعرف أن ليس كل الأسئلة التي طرحها الفلاسفة هي أسئلة فلسفية في حقيقتها. الفلاسفة أنفسهم قد لا يعلمون ذلك مما قد يسبب الارتباك للقارئ إذا لم يتفطن. أحد الأمثلة محاول الفلاسفة الإجابة على الأسئلة المتعلقة بطبيعة الأجرام السماوية كالفلاسفة الإغريق، هذه الأسئلة هي علمية في طبيعتها، ويمكن الإجابة عليها عن طريق المنهج العلمي ببناء تليسكوب وعمل بعض التجارب وتدوين الملاحظات التي تبنى عليها الفرضيات.

عن الأساليب الفلسفية

هناك خمسة أساليب فلسفية قد استخدمها الفلاسفة في كتاباتهم، يجدر على قارئ كتب الفلسفة أن يتعرف عليها.

1- الحوار الفلسفي (the philosophical dialogue)
أسلوب طرح الموضوع يكون عبارة عن حوار بين عدة أشخاص، ويكون عن طريق طرح أسئلة متتابعة وتعليقات تساعد على توضيح الموضوع. ربما يكون أفلاطون أكثر من برع واشتهر بهذه الطريقة.

2- الأطروحة أو المقال الفلسفي (the philosophical treatise or essay)
ويكون عن طريق تحديد المشكلة في البداية ثم التعمق في نقاشها، وقد يتطرق إلى الخلافات والرد عليها. اشتهر بهذه الطريقة من الإغريق أرسطو ومن المتأخرين كانت.

3- الرد على الاعتراضات (the meeting of objections)
طريقة هذا الأسلوب تكون بداية بذكر سؤال ثم إيراد الأجوبة الخطأ (في اعتقاد الكاتب) عليه مع أدلتها، وفي النهاية يعرض الكاتب وجهة نظره ثم يرد على كل من الردود الخاطئة. أحد الأمثلة كتب توماس الأكويني. وهذه الطريقة تحوي روح الجدال والنقاش اللفظي الذي انتشر في العصور الوسطى الأوروبية.

4- الفلسفة الممنهجة (the systemization of philosophy)
تم تطوير هذا الأسلوب في القرن السابع عشر الميلادي عن طريق بعض الفلاسفة مثل ديكارت وسبينوزا الذين حاولوا ترتيب الفلسفة بطريقة تشابه ترتيب الرياضيات. مثلاً كتاب الأخلاق لسبينوزا تم كتابته بأسلوب مقارب للرياضيات، باستخدام الفرضيات والإثباتات والنتائج.

5- أسلوب قول المأثور (the aphoristic style)
قد لا يكون هذا الأسلوب بأهمية ما سبق، ولكن تجدر الإشارة إليه. ويكون بذكر مقولة ثم التعليق عليها. يعزى استخدام مثل هذا الأسلوب من بعض الفلاسفة المتأخرين كنيتشه لتأثرهم بالفلسفة الشرقية.

تلميحات لقراءة الفلسفة

  • أهم شيء أثناء قراءتك لأي عمل فلسفي هو أن تكتشف السؤال أو الأسئلة التي يحاول الإجابة عليها.
  • تتأثر طريقة إجابة الكاتب على هذه الأسئلة بمبادءه الحاكمة (controlling principles). لا توجد وصفة واضحة للعثور على المبدأ الحاكم للفيلسوف، فبعضهم يذكرها صراحة، وبعضهم يمكن استقاؤها من كتاباته. أحد المشاكل تظهر إذا كان الكاتب غير ملتزم بمبدء حاكم واحد، حتى أفضل الفلاسفة لا يلتزمون بذلك. هنا نقع في مشكلة أي منها يقصدها.
  • مهمة الفيلسوف هي أن يشرح طبيعة الأشياء، وليس أن يصفها كما هي مهمة العالم. الفلسفة تبحث في سبر أغوار الأسباب والأحوال التي تحكم الظواهر. مثل هذه المشاكل لا يمكن الإجابة عنها بشكل شافي إلا إذا كانت مدعمة بتحليل وحجج واضحة. لهذا يكمن جل الجهد من طرف القارئ في فهم المصطلحات والافتراضات الأولية للكاتب، ولا بد من الحذر لا سيما أن الفلاسفة قد يستخدمون كلمات أو مصلطحات مألوفة ولكن لها معنى مختلف في سياق حديثهم.
  • حيث أن الفلاسفة يتحدثون عن العموميات، فالمصطلحات الأساسية لديهم تكون تجريدية (abstract).
  • يجب أن تنتبه للمبادئ التي يستند عليها الكاتب، قد يطلب من القارئ أن يفترضها معه، أو قد تكون أمور يعتبرها بديهية.
  • بخلاف التجربة العلمية، فإن التجارب التي يستقي منها الفلاسفة أفكارهم هي التجارب الإنسانية المشتركة. يحيلك الفيلسوف إلى بديهياته الخاصة وتجاربه اليومية في الحياة التي تعيشها، فحتى تفهمه لا تحتاج إلى معمل أو أدوات خاصة. لا توجد أي أداة باستثناء العقل نفسه (There are no other aids except the mind itself).
  • من الأمور المساعدة في قراءة الفلسفة أن تقرأ لعدة فلاسفة في نفس الموضوع، لأن الفلاسفة يظلون في حوار مستمر مع أفكار بعضهم على مر التاريخ.

ملحوظة عن علم اللاهوت (Theology)

ملاحظة: مصطلح اللاهوت في الغالب الأعم يستخدم للدراسات الدينية اليهودية والنصرانية، ولا يستخدم عادة للدراسات الإسلامية من قبل المسلمين.

ينقسم الاهوت إلى:

  • اللاهوت الطبيعي (natural theology): وهو أحد فروع الفلسفة المنتمية إلى ما وراء الطبيعية والغيبيات، مثل أسئلة المسببات.
  • اللاهوت العقائدي (dogmatic theology): اللاهوت العقائدي يختلف عن الفلسفة حيث أن مبادءه الأساسية منبثقة من مقالات إيمانية يلتزم بها المنتمين إلى أحد الديانات.

الإيمان لمن يلتزم به هو أعلى درجات المعرفة، وليس رأياً مبدأياً قد يتغير.

يقع الكثير من القراء غير المؤمنين بخطأين أساسيين يجعلهم يعانون أثناء قراءة كتب اللاهوت العقائدية:
الأول: رفضهم لقبول المقولات الإيمانية -ولو لفترة مؤقتة- التي تكوِّن المبادئ الأساسية.
الثاني: افتراضهم الخاطئ بأنه حيث أن المبادئ الأساسية منبثقة من العقيدة، فإن الاستدلال والنتائج كلها آتية من العقيدة، أي أنها غير منطقية، وهذا خاطئ.

قراءة الكتب القانونية/الدينية/المقدسة (canonical)

بعض الكتب تكون “مقدسة”، بعضها لم تعد كذلك ولكن لا يزال أتباعها يقتربون من تقديسها. وتم ذكر عدة أمثلة على هذه الكتب:

  • القرآن للمسلمين
  • العهد القديم لليهود
  • العهد الجديد للنصارى
  • أعمال ماركس ولينين للمتعصبين الماركسيين، وقد يتبعها أيضاً ستالين
  • الكتاب الأحمر لماو تسي لنج
  • أعمال فرويد لمتعصبي فرويد
  • دليل المشاة لجنود الجيش الأمريكي
  • ومثل هذا لكتب بعض التخصصات كالمحاماة

أعضاء المؤسسة (التي يرجع إليها الكتاب، دينية أو سياسية) يقرأون الكتاب بقدسية. لا يعترضون أو يسائلون -أو لا يمكنهم- القراءة المشروعة والصحيحة للكتاب. لهذا النوع من الكتب هناك فقط قراءة واحدة صحيحة. والقارئ يجب عليه أن يبحث عن المعنى الصحيح للكتاب، فإذا لم يستطع لوحده يجب عليه أن يذهب إلى شخص آخر ليساعده.


كيف تقرأ العلوم الاجتماعية؟

الصحافة الحديثة لا تحصر نفسها في الإخبار عن الحقائق فقط :من؟ ماذا؟ لماذا؟ متى؟ أين؟. الصحفيون بشكل متزايد صاروا يخلطون الحقائق بتحليلهم وتفسيرهم وتعليقاتهم. هذه التفسيرات والتعليقات تُستقى من مفاهيم ومصطلحات العلوم الاجتماعية (Social Sciences).

من الأمثلة على المواضيع التي تتناولها العلوم الاجتماعية:

  • مشاكل الأعراق
  • الجريمة
  • تطبيق القانون
  • الفقر
  • التعليم
  • الرفاهية welfare
  • الحرب والسلم
  • الحكومة الجيدة والسيئة

مؤلفات العلوم الاجتماعية لا تنحصر فقط في الكتب غير الأدبية، فقد نجد العديد من المؤلفات الأدبية تحمل رسائل ومحتوى من العلوم الاجتماعية كالروايات والمسرحيات والقصص والأفلام والبرامج التلفازية.

ما هي العلوم الاجتماعية؟

حقيقة يصعب تعريف العلوم الاجتماعية بشكل واضح ودقيق لتشعبها وعدم الاتفاق على حدودها بالإجماع. أقسام علوم الاجتماع في الجامعات تحتوي تخصصات الأنثروبولوجيا والاقتصاد والسياسة والاجتماع (sociology). بعض الأقسام قد تكون منطقياً تحت العلوم الاجتماعية كالقانون والتعليم والأعمال والخدمات الاجتماعية، ولكن تفصل غالباً بسبب أن الهدف من هذه التخصصات تهيئة الطالب ليعمل في وظائف خارج الجامعة، بينما الأقسام التي ذكرت قبلها تكون غالباً من عمل الجامعات واهتمامها وهو السعي للمعرفة عن المجتمعات الإنسانية.

هناك اختلاف حول إدراج علم النفس تحت العلوم الاجتماعية، من جهة كونها مهتمة بالأفراد، ولكن البعض يعارض ذلك بحجة أن الأفراد هم من يكوِّن المجتمعات.

السهولة الظاهرة لقراءة العلوم الاجتماعية

الكثير من الكتابات في العلوم الاجتماعية تبدو سهلة القراءة، فالبيانات تُستقى غالباً من تجارب مألوفة للقارئ، كما أن طريقة الكتابة سردية وهي مألوفة للقارئ. إضافة إلى ذلك فقد صارت مصطلحات العلوم الاجتماعية مألوفة لنا من كثرة ما نسمعها ونقرأها في الصحف والأخبار.

عادة ما يكون لدى القارئ من المصطلحات التي يقرأها في المجال موقف ومشاعر واضحة تكونت من تعرضه لها بشكل شبه يومي.

صعوبة قراءة العلوم الاجتماعية

المفارقة أن نفس الأسباب التي أدت ظاهرياً إلى سهولة قراءة العلوم الاجتماعية هي التي تجعلها صعبة القراءة.

مثلاً، بسبب تكوّن موقف واضح لدى القارئ تجاه بعض القضايا، سيكون من الصعب قراءة مواضيع عنها بحيادية بالرغم من اشتراط هذا كأمر أساسي للقراءة التحليلية. إذا كنت تريد أن تجيب عن أول سؤالين في القراءة التحليلية يجب أن تضع رأيك عند الباب، فلا يمكنك أن تفهم كتاباً إذا كنت ترفض أن تسمع ما يقول.

أيضاً كون المصطلحات والفرضيات في العلوم الاجتماعية مألوفة يعتبر حاجزاً عن الفهم. المشكلة أنه غالباً ما تكون المصطلحات غير معرَّفة بشكل واضح ومحدد كالعلوم الطبيعية أو الرياضيات. وينبع هذا من جهة صعوبة تحديد ذلك للعلوم الاجتماعية. من السهل مثلاً أن تعرِّف مثلث قائم الزاوية في الرياضيات، ولكن يصعب عليك تعريف الركود الاقتصادي أو الصحة العقلية. وحتى لو حدد الكاتب تعريفاً معيناً قد لا يتفق معه القارئ.

قد ينبع أحد أهم المصاعب في قراءة العلوم الاجتماعية من أن المؤلفات في المجال تكون عادة مكونة من أكثر من نوع في الكتابة. فمثلاً الكثير من كتابات العلوم الاجتماعية تكون مزيج مختلط من العلوم الطبيعية والفلسفة والتاريخ، وقد تجد بعض الكتابة الأدبية في الخليط. وما يزيد الموضوع تعقيداً أن هذا الخليط يختلف من كتاب إلى آخر، وسيواجه القارئ مهمة معرفة هذا الخليط ليعرف ماذا يقرأ.

إذا كنت تذكر فإن أول خطوة في القراءة التحليلية هي معرفة نوع الكتاب. وهذه المهمة قد تكون صعبة بسبب ما ذكر من اختلاط أنواع الكتابة. ومع صعوبة ذلك إلا أنها مهمة ضرورية، حيث أنه بمجرد معرفتك لأنواع الكتابة المتضمنة في مؤلف تكون قد قطعت شوطاً جيداً في رحلة فهمك للكتاب.

بخصوص أسئلة القراءة:

  • تخطيط كتاب علوم اجتماعية لا يحمل صعوبة خاصة.
  • الوصول إلى اتفاق مع المؤلف قد يكون صعباً لما ذكر سابقاً، ولكن بالإمكان على الأقل الوصول إلى فهم مشترك للمصطلحات الأساسية.
  • معرفة وفهم الفرضيات والحجج أيضاً ليست لها مشاكل خاصة في مؤلفات العلوم الاجتماعية.
  • السؤال الأخير “ماذا بعد؟” يحتاج لضبط كبير من القارئ، حيث أن القارئ يحمل مواقف ومشاعر محددة قد تناقضها استنتاجات الكاتب التي حتى لو كانت منطقية قد يجد القارئ نفسه يخالفها.

قراءة أدبيات العلوم الاجتماعية

غالباً في العلوم الاجتماعية يتم قراءة عدة كتب بنفس الوقت للبحث عن قضية أو مشكلة محددة، بخلاف القراءة لكاتب أو كتاب معين. في الغالب لا يوجد كتاب موثوق يغطي بعض مواضيع العلوم الاجتماعية، لهذا يتم قراءة مجموعة كتب. بل حتى مؤلفي هذه الكتب يغيرون ويحدثون كتبهم بشكل سريع مما يجعل النسخ القديمة غير صالحة. هذه الطريقة من القراءة هي التي تم شرحها في فصل القراءة التركيبية.


كيف تجعل الكتاب ملكك؟

“الشخص الذي يزعم أنه يعرف ما يفكر به لكن لا يستطيع التعبير عنه غالباً لا يعرف ما يفكر به”

اجعل الكتاب ملكك بالكتابة عليه. الكتابة أثناء القراءة تجعل القراءة نشطة أكثر، مما يحافظ على انتباهك وتَيَقظك.

هناك العديد من الوسائل لتعليم (التأشير على) الكتب والكتابة عليها بشكل مثمر وفعال، مثل:

  • وضع خط تحت النقاط والأفكار المهمة (أو دوائر حولها)
  • خطوط رأسية على الهامش للإشارة إلى فقرة طويلة أو نقاط مهمة
  • علامات أو رموز على الهوامش
  • الترقيم على الهوامش
  • كتابة أرقام صفحات ذات علاقة على الهوامش
  • كتابة الأسئلة أو الخواطر على الهوامش أو أعلى أو أسفل الصفحة.

الأنواع الثلاث لتدوين الملاحظات

حسب مستوى القراءة هناك ثلاثة أنواع أساسية لتدوين الملاحظات تتناسب مع الهدف الأساسي لكل منها.

  • في القراءة التفتيشية الاهتمام يكون في هيكل الكتاب وليس جوهر المادة (على الأقل ليس بالتفصيل). لهذا يطلق على تدوين الملاحظات في هذا المستوى هيكلي.
  • في القراءة التحليلية الاهتمام بالتفاصيل وأفكار الكاتب والإجابة عن أسئلة تدور حول صحة الكتاب وأهمية محتواه. لهذا تتصف الملاحظات المدونة في هذا المستوى بأنها مفاهيمية.
  • في مستوى القراءة التركيبية، وهو مستوى متقدم جداً، يتم قراءة عدة كتب في وقت واحد عن موضوع معين وتحليل ومقارنة الأفكار. يتم تدوين الملاحظات على شكل نقاش بين أفكار الكتّاب لهذه الكتب، لهذا يطلق على هذا النوع من تدوين الملاحظات بـ الجدلي.

القراءة ونمو العقل

يجدر التنبيه -كما تم ذكر ذلك سابقاً- أن القراءة التحليلية والتركيبية غير مناسبة لكل الكتب. هناك كتب لا تحتاج لهما.

  • إذا كنت تسعى لأن تحسِّن من قدرتك على القراءة فيجب أن لا تقرأ أي كتاب أو مقال. يجب أن تختار الكتب التي تتجاوز قدرتك على الاستيعاب، فقط هذا النوع من الكتاب الذي سيزيد من قدرة عقلك.
  • لهذا من الضرورة بمكان أن يكون لديك القدرة على معرفة الكتب التي تعطيك هذا القدر من التحدي الذي يحسِّن من قدرات القراءة لديك. ينبغي أن تعرف أن الكتاب الذي يركز فقط على العجائب أو المتعة لن يزيدك شيئاً غيرها. وهذا لا يعني العزوف عن القراءة للمتعة، ولكن أن تعرف عندما تقرأها أنها لن تزيد من مهارات القراءة لديك.
  • وبالمثل الكتب التي تزودك بحقائق لم تعرفها سابقاً بدون أن تزيد من فهمك لهذه الحقائق. القراءة من أجل الحقائق لا تزيد من قدرة عقلك، قد يبدو لك ذلك، ولكن في الحقيقة ما زاد لديك كمي (الحقائق) وليس كيفي بزيادة فهمك ومهاراتك.

الكتاب الجيد يكافئك بمحاولة قراءته. المكافئة من نوعين:
الأول: التحسن في مهارات القراءة.
الثاني: أن الكتب الجيدة تعلمك عن العالم وعن نفسك.

سوف تكون أكثر حكمة، وليس فقط أكثر معرفة.